
في الليلة الرابعة من ليالي شهر محرم المباركة، ألقى السيد منير الخباز محاضرة نوعية في المركز الإسلامي بمدينة ديربورن الأمريكية، تحت عنوان: “أين نجد أصول المذهب الإمامي – الإمامة والعصمة وعلم الغيب – في آيات القرآن الكريم؟”، مسلطًا الضوء على المرتكزات القرآنية التي يستند إليها المذهب الإمامي في هذه المفاهيم العقدية.
أكد السيد الخباز أن الإمامة ليست مسألة اجتماعية خاضعة لاجتهاد الناس أو شورى الأمة، بل هي اختيار إلهي خالص، موضحًا أن المذهب الإمامي لا يقتصر على أصول التوحيد والنبوة والمعاد كما هو الحال في باقي المذاهب، بل يضيف إليها الإمامة كمنصب إلهي ذي طابع تشريعي وتنفيذي، يُمنح من قبل الله تعالى لمن اصطفاهم.
وفي معرض الاستدلال القرآني، استشهد الخباز بقول الله تعالى:
{وربك يخلق ما يشاء ويختار}، موضحًا أن الاختيار الإلهي يشمل الإمامة كما يشمل النبوة، وهو ليس من صلاحيات الأمة. كما أشار إلى قوله تعالى في حق النبي إبراهيم (ع):
{إني جاعلك للناس إمامًا}، معتبرًا أن الإمامة تأتي في نهاية سلسلة من الاصطفاءات الإلهية: من العبودية إلى النبوة ثم الخلة، لتنتهي بالإمامة، ما يبيّن سموها ورفعة مقامها.
رفض السيد الخباز الاتهامات القائلة بأن عقيدة الإمامة لا تستند إلى القرآن، وبيّن الفرق بين نوعين من “الجعل” في القرآن:
- الجعل التكويني الذي قد يطال الظالمين كاستدراج إلهي، كما في قوله تعالى:
{وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} - والجعل التشريعي الذي يشير إلى التعيين الإلهي الحق، كما في الإمامة.
كما تناول مفهوم الولاية بنوعيها:
- التشريعية، المستندة إلى علم الأئمة بأسرار التأويل، مستشهدًا بآيات مثل:
{وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} و
{لا يمسه إلا المطهرون}،
رابطًا ذلك بروايات تصف أهل البيت بأنهم أهل التأويل والقرآن. - والتنفيذية، والتي أكدها بآية الولاية:
{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا…}،
مشيرًا إلى أن المفسرين أجمعوا على نزولها في الإمام علي (ع)، وأن أداة الحصر “إنما” تدل على ولاية الأمر لا مجرد المحبة.
أما العصمة، فبيّن أنها مستفادة من آية:
{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}،
مؤكدًا أن الطاعة المطلقة لأولي الأمر لا تكون إلا لمعصوم، وإلا لوقع الناس في تناقض ديني.
وفيما يتعلق بعلم الغيب والتأويل، أشار إلى أن القرآن جعل الراسخين في العلم والمطهّرين وحدهم أهلًا لفهم حقيقته، بما يدل على تميزهم الروحي والعلمي.
وردًا على سؤال حول سبب غياب أسماء الأئمة في نصوص القرآن، نقل السيد الخباز عن الإمام جعفر الصادق (ع) قوله إن القرآن الكريم يتناول القواعد الكلية، ويترك تفصيلاتها لبيان النبي، كما في الصلاة والزكاة، مؤكدًا أن النبي (ص) هو من عيّن الأئمة وبيّن أسمائهم للأمة.
واختتم السيد الخباز محاضرته بالتأكيد على أن القراءة الواعية لآيات القرآن ضمن سياقها اللغوي والتاريخي والدلالي، تؤسس بوضوح لأصول المذهب الإمامي، وتبرهن أن مفاهيم الإمامة والعصمة والولاية التشريعية والتنفيذية ليست بدعًا، بل امتدادًا طبيعياً لخط النبوة وخلافة السماء على الأرض.