أنا لست متفقا مع آرائك، ولكنني مستعد لأن أقدم حياتي من أجل أن تعبر عنها. (فولتير) ثمة فيروس غامض يعشعش في العقلية المستبدة التي تتخذ من المصلحين والرموز الإسلامية قدوة ولكنها في واقع الأمر تحارب كل من يدعو إلى الانفتاح على الآخر حتى ولو كان يملك ثقافة الاعتدال, فعندما يسقط بعضنا بعضًا من خلاف فكري أو ثقافي أوديني هنا وهناك , وننسى أننا نملك شخصية فريدة ومميزة ومبدعة ووسطية استطاعت إرساء قيم الوحدة والتعايش والحب بين المسلمين أولاً ومع المخالفين في الدين ثانياً, وهذا ما يدعونا إلى مراجعة حساباتنا من جديد, حديثي هذه المرة عن إنسان تعلم المسلمون وأرباب النحل والملل منه معنى التسامح مع الآخر دون إقصاء ولا تميز. تتلمذ على يده أكثر من 4 أربعة الآلاف طالب من مختلف الشرائح الفكرية والثقافية والدينية , وهذا يعني قبوله لدى الطرف الآخر مع اختلافهم معه في المنظومة الاجتهادية.
لم يكن الإمام الصادق عليه السلام عالماً فحسب بل كان جامعة في مختلف التخصصات, في الطب والكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلك والأدب والتفسير, ولم يكن متقوقعاً في تخصص معين بل منفتحاَ, على كافة العلوم التي أثرت الساحة الإسلامية بمختلف التخصصات الفكرية والدينية والعلمية والتي ساهمت في القفزة النوعية للحضارة الإسلامية.
اليوم ما أحوجنا إلى تلك الشخصية التي سمعت وأصغت للمخالف في الدين والمذهب بكل أريحية, بدون تفسيق ولا تكفير ولا تقسيط .فقد ناظر الإمام الصادق عليه السلام الملحدين والزنادقة والمختلفين معه في التصورات الفقهية والعقائدية, كما حاورا مالك ابن أنس و سفيان الثوري و رئيس المذهب الحنفي أبي حنيفة النعمان في مسألة القياس بكل ود واحترام .
الآن صدرونا تضيق وتزداد ضيقاً يوم بعد يوم , كما أنها ترفض الاختلاف مع من يختلف معها في الفقه فضلاً في العقيدة, ويبدأ الخلاف من المحيط المحلي إلى أن تتسع الرقعة إلى الصراع بين التيارات نفسها , وبدل أن تحل لغة الحوار والنقاش المفيد تحل لغة السب واللعن والفتاوى والتخوين والرمي بالكفر والإلحاد ..
حرية الفكر في مدرسة الإمام جعفر الصادق عليه السلام ساهمت في إثراء المعرفة الدينية والإنسانية وكرست مفهوم اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية , كما كان يطرح رأيه كبقية الآراء ويضع بضاعته أمام طلبة العلوم وهم بطبيعة الحال يرون متانة رده وقوة حجته دون ذمه لرأي الآخر بل يسعى أن يكون جوابه ورده بأسلوب علمي ويعطي المحاور قيمته وإنسانيته.
ما يميز مدرسة الإمام الصادق أنها لا تطرح فكراً متشنجاً أبداً, كما هو الحال الآن في مدارسنا الفكرية والثقافية والدينية. بوسعك في مدرسة الإمام أن تطرح كل رأي وكل نظرية بدون أن يقبع رأيك أو يسخف.
ومن الشواهد المهمة في تأكيد كلامنا السابق حول الانفتاح على الآخر . ما ذكره هشام الكندي قال: سمعتُ أبا عبد الله يقول: (إياكم أن تعملوا عملاً يعيّرونا به، فإنَّ ولدَ السوء يُعيِّر والِدَهُ بعمله؛ كونوا لمَن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا عليه شيناً؛ صلُّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم)
كما يؤكد في موضع آخر على الحرص على تكوين العلاقات مع الآخرين المختلفين معك على الصعيد الاجتماعي (أكثروا من الأصدقاء في الدنيا، فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فحوائج يقومون بها، وأما الآخرة فإن أهل جهنم قالوا: (فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم)
خلاصة القول تبدأ وتنتهي من خلال قراءتك في الوعي لمعنى الخلاف والاختلاف,فكلما كان هناك آراء متعددة ,كان هناك إثراء معرفي وفكري وثقافي يثري الساحة ويعطيها جمالاًوتألقاً في معنى احترام الآخر .
التعليقات 2
2 pings
2016-02-05 في 11:26 ص[3] رابط التعليق
رائع … بورك طرحك أخي نعم نحن أحوج اليوم الى سعة الصدور وتقبل مختلف الملل والنحل .
فاضل علي
2016-02-07 في 12:37 ص[3] رابط التعليق
نعم نحن نمر بوقت جدا عصيب وكثرة الخلاف يرجع في الغالب ليس لنوع الخلاف انما لعدم القبول بين المتخالفين لبعضهم البعض لاسباب كثيرة وشخصية الامام جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام نموذج لكل انسان واعي ومثقف