يشكل الحوار الهادئ بعدا استراتيجياً في ثقافة المجتمعات الإنسانية، وتكمن الأهمية في زج مادة في مؤسسات التعليم العام هدفها ترطيب العلاقة بين ما يحمل الطالب من ثقافة اتجاه ثقافة الآخرين، وهذا يعني باختصار تقبل الرأي الآخر بكل أريحية ولا تعصب، هذه المادة كفيلة بإفشال الحرب الكلامية والفكرية والثقافية داخل المجتمع المدرسي، وتكون هذه المادة من إنتاج كوادر وطنية مخلصة مكونة من الخبراء المتعاونين مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ومن الخبراء المتخصصين في مجال الحوار وثقافته ومهاراته واختصاصيين في علم النفس والاجتماع والدين، بحيث لا يستطيع أحد تسطيح المصطلحات ولا تغييب مفهوم المذهب والفكر. كم نحن محتاجون فعلاً للحوار وفق أطر شرعية ومنطقية تبدأ من المرحلة الابتدائية وتنتهي إلى الجامعة ولكل مرحلة متطلباتها وآلياتها المعرفية، فبعد مضي 16 عاماً سنصنع جيلاً واعياً مهتماً بثقافة الحوار داخل وخارج مؤسسات التعليم.
أصبح الحوار الآن مطلبا إنسانيا وهدفاً في طريق الإصلاح والتجديد، وتتحمل الأسرة النواة لبدء هذا المشروع التربوي، إن المعلم رسالته عظيمة وكبرى وهي أمانة لتعليم أبنائنا وبناتنا بالطرق الواعية دون إسقاط أو تصادم مع من يخالفونه في الاتجاهات والرؤى. المعضلة الكبرى هي عدم نشر ثقافة الحوار بين الطالب والمعلم وبين المعلم وزملائه بين الطالب والطالب أدى ذلك ببساطة إلى غياب روح التغيير والمبادرة عند المعلمين باعتبار أن ذلك يقلل من مكانتهم ويجرئ الطلاب عليهم وهو والله عين الجهل.
تكمن أهمية الحوار بين الطالب ومعلمه في تعزيز الثقة التي من خلالها يستطيع أن يعبر عن أفكاره ومشاعره وثقافته وذاته، التعود على احترام الرأي الآخر وعدم تسفيهه مهم جداً. في أهمية الحوار أن يدرك الطالب أنه ليس الوحيد في المجتمع وأن رأيه ليس بالضرورة على صواب دائماً وبالتالي عندما يعي الطالب ذلك سيكون بكل تأكيد بعيداً عن الصدام والتعنتر وملما بمعنى الحقيقة والخيال وهو لب معنى الحوار مع الآخر.
أبرز معوقات الحوار يأتي بعدم تأهيل معلمين بالقدر الكافي باسم ممارس للحوار خطته قائمة على إعداد خريطة عمل لنشر ثقافة الحوار والتأصيل له وإن كانت هناك بوادر لتعزيز التسامح والحوار والوسطية في مدارسنا، يرى الدكتور محمد المطيري في هذا الشأن أن ظروف تصميم المبنى المدرسي لا تساعد على إقامة نشاطات حوارية. نصاب المعلم من الحصص يعوق ممارسته للحوار ويستهلك طاقته. كما أن عدد الطلاب الكبير في الصف وطريقة جلوسهم التقليدية يمثلان إعاقة لممارسة الحوار في المدرسة. كما أن كثافة المواد الدراسية تجعل من فرصة إقامة ممارسة حوارية صعبة وشاقة. المرشد الطلابي ورائد النشاط غير قادرين على التخطيط لنشاطات حوارية فاعلة. كما أن انشغال المعلمين بكثير من الأعمال المكتبية يعوقهم عن ممارسة الحوار. هذه النتائج يفترض أن تكون موضوع دراسة وبحث، فهي بشكل أو بآخر تقول كثيرا عن جدلية الصراع حول الحوار. الحوار لدى كثيرين مقبول من ناحية المبدأ، ولكنه صعب جدا من ناحية التطبيق. أو بعبارة أخرى أن الاستعداد لدفع المقابل الذي يتطلب الحوار لا يزال بعيدا عن الرؤية. العلاقة الحوارية مع الآخرين تتطلب التنازل عن كثير من القوّة والسلطة التي يكتسبها الناس بسبب مواقعهم الاجتماعية. المعلم القادم من تراث يطلب من الطالب أن يكون عبدا له، لأنه علّمه حرفا. يحتاج للتنازل كثيرا ليؤسس علاقة حوارية مع طلابه. الكلام ذاته ينطبق على الأب والمسؤول وصاحب السلطة. لا يعارض الناس الحوار مادام مجانيا ولكنه لم يكن يوما ولن يكون.
لهذا لابد من استثمار الحوار المدرسي بما يخدم الوطن ويعزز هويته وتعزيز الشراكة بين المعلم والطالب، المساهمة في تنمية الأخلاق الفاضلة والأسلوب الحسن في التعامل مع الجميع، الابتعاد عن لغة العنف ونبذ الخلاف داخل المجتمعات من صراعات دينية وثقافية وفكرية من شأنها تمزيق المجتمع وتفتيت وحدته، التربية بالحوار تربي المعلم والطالب معاً في تحقق الوسطية والاعتدال في شخصيتهما. التربية بالحوار تزيد من تماسك المجتمع والانتماء الوطني والإنتاجية في جيل المستقبل، كما أن نوعية المادة مهم جداً وفق المراحل التعليمية ولهذا يرى بعض المختصين في مركز عبد العزيز للحوار الوطني والمختصين في التربية والحوار التالي من الصف الرابع إلى السادس مقررات بمسمى مهارات الاتصال. المرحلة المتوسطة مقررات بمسمى مهارات الحوار الوطني. المرحلة الثانوية مقررات بمسمى ثقافة الحوار الوطني.
التعليقات 1
1 pings
2017-02-01 في 10:22 ص[3] رابط التعليق
كلامك جميل أخي عباس وسلم قلمك الذي خطه اسمح لي بالمداخلة البسيطة هذه وهي أن الحوار بين المعلم والطالب مفتوح المجال في حال كان المعلم مثقف ويقف على أبعاد ونتائج الحوار المثمر ولكن ليست هنا المشكلة
المشكلة تتمثل في أنك تتعامل مع 30 طالب في الفصل الواحد حكد أقصى مختلفي الثقافات والقناعات ان فتحت حوار مع نصفهم فسيبقى النصف الآخر لا يعي ثقافة الحوار نعم أنا مع الحوار الهادف والبناء ومعك تماما فيما جاء به مقالك الا أنني معلمة والتمس عن قرب أغلب النتائج بعض الطلبة يعتبر الحوار المفتوح بالفعل تعدي على خطوط احترام المعلم ليس تكبرا من المعلم وكما وصفته انه يريده ان يكون له عبدا لأنه علمه حرفا ..لا المسألة هي أن ليست كل الطلبة ذات انفتاح وثقافة واحدة ومهما غرسنا ذلك في أنفسهم ونحن نفعل ذلك باستمرار الا أنه تجد البعض يفهم بالفعل الحوار بأنه مفتوووح الأمد فيتطاول ويتجاسر ومن هنا قد يتحفظ البعض من المعلمين في مسألة الحوار هذه الا ان الغالب منهم ليس كمعلمي الأمس بالطبع فلقد اختلفت المدارس والمدرسين برمتهم
وأشير الا شيء ذكرته في مقالك أن وضع الطلبة في الفصل لا يسمح بالحوار وهذا منافي لما يحدث الان في مدارسنا حيث فعلنا منذ سنوات الجلوس بطريقة المقاعد الدائرية لتفعيل الانشطة الصفية وهذه الوضعية تتيح بالفعل الحوار وطبقنا جزء من مبادئ الحوار حين تناقش الطلبة هذه الأنشطة بكل اريحية وتبدي رأيها بعد أن تتشاور مع بعضها البعض … الموضوع يطول فيه النقاش ولكن شكرا لهذا الطرح الجيد.