
قال *سماحة الشيخ حسن الصفار*: في السيرة النبوية تتجسد أرقى معاني الرحمة في القيادة والتربية، وهي مدرسة متكاملة في ممارسة الرحمة والشفقة.
وتابع: لقد قدّم رسول الله (ص) نموذجًا رائعًا في القيادة الأسرية والاجتماعية، قائمًا على الحب والثقة لا على الهيمنة والقوة.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 20 ربيع الأول 1447هـ الموافق 12 سبتمبر 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: *جاذبية الرحمة*.
https://www.saffar.me/?act=artc&id=5447
وأوضح سماحته حين يبدي الإنسان اهتمامه بإنسان آخر، ويتعاطف معه في معاناته، ويقدم له الدعم والمساعدة المادية أو المعنوية، فإنه يكسب محبته وينال ثقته، خاصة عند الحاجة لذلك الإحسان.
واستشهد بما كما ورد عن رسول الله (ص): «جُبِلَتِ اَلْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا».
وتابع: من هنا تكون للرّحمة جاذبية كبيرة، فمن يبدي الرّحمة ويسبغها على الآخرين ينجذبون إليه، من القريبين والبعيدين، وترسخ محبته والثقة به في نفوسهم.
وأضاف: أما من يكون جافًّا قاسيًا غير مهتم بمشاعر الآخرين، فإن الناس ينفرون منه، ولا يطمئنون إليه.
وأبان أن الله تعالى امتنّ على نبيه محمد (ص)، بما أودع في قلبه من مشاعر الرّحمة والشفقة على الناس، والتي انعكست على سلوكه وتعامله معهم، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ}.
وتابع: كان رسول الله (ص) لينًا حليمًا ودودًا مع من حوله، مستوعبًا لجهلهم، متحمّلًا لأذاهم، حتى استطاع جذبهم إلى رسالته، واستقطابهم إلى دينه، ولو لم يكن يتمتع بهذا المستوى الرفيع من مشاعر الرّحمة، لنفر الناس منه، وانفضوا عنه، {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
وأشار إلى أن بعثة النبي محمد (ص) جاءت في مجتمع يعيش حالة من الجفاف العاطفي بحكم طبيعة الحياة الصحراوية القاسية، حيث شكّلت رسالته تصادمًا مع طريقة تفكيرهم ومسار حياتهم، وأثارت قلق زعاماتهم القبلية على نفوذهم وسلطتهم.
وتابع: كل تلك الظروف كانت كفيلة بعرقلة مسار الدعوة، وتعويق نجاح الرسالة، لكن النبي (ص) استطاع في زمن قياسي أن يتجاوز هذه التحديات، وأن يجتذب القلوب إليه بخلقه ورحمته، فنال في ذلك المجتمع محبة لم ينلها أي قائد أو زعيم.
وشدد على أن هذا النهج النبوي في القيادة يمثل درسًا خالدًا لكل القادة والمربين في كل عصر، بضرورة التحلي بالرحمة كأساس للنجاح والتأثير في الناس.
ولفت إلى أن هذا الانجذاب والعشق لرسول الله (ص)، هو الذي قادهم إلى اتباعه، والثقة به، والاستجابة لأوامره، وكل ذلك أثر من آثار خلقه العظيم، والرّحمة التي أفاضها على الناس من حوله.
وذكر شواهد ومواقف من سيرته (ص) وسيرة المسلمين من حوله، تدل على حب أصحاب رسول الله لنبيهم (ص) وحبه لهم، واحترامه لأصحابه وأهل بيته ومجتمعه.
وعن سيرته الأسرية قال سماحته: نجد في حياة رسول الله (ص) هذا الدرس واضحًا، فهو (ص) في قمّة الكمال الروحي والأخلاقي، وزوجاته يعرفن فضله، ويعتقدن بنبوته ومكانته عند الله، وقيادته وزعامته في المجتمع.
وتابع: لكنّ هذا الاعتقاد لم يمنع حصول بعض المشاكل في حياته الزوجية من قبل بعض أزواجه، فكان (ص) يستوعب ذلك بسعة صدره، ليقول لكلِّ زوج: إنّ عليه أن يستوعب مشاكل حياته الزوجية.
ومضى يقول: إننا نقرأ في السّيرة النبوية شواهد كثيرة عن إغداق النبي (ص) محبّته وعطفه واحترامه لزوجاته، فلم يكن في حياته الزوجية يمارس هيبته وقوة شخصيته، بل كان يضفي على أجواء علاقته العائلية حال التفاعل والأريحية والمسرّة.
وتابع: أما ابداؤه المحبة، وإغداقه الرّحمة على أولاده وأحفاده، كابنته فاطمة الزهراء، وولديه الحسن والحسين، فشواهده كثيرة متواترة معروفة.
وأشار إلى أن في سيرة النبي (ص) درسًا مهمًا لكل من يتبوأ مقامًا قياديًا، أو يؤدي دورًا توجيهيًا إرشاديًا، أن يتصف بخلق الرّحمة، لينجح في مهمته القيادية، وفي دوره الإرشادي التربوي.
وتابع: الأب في عائلته، والمعلم مع طلابه، والمدير مع موظفيه، والمتصدي لإدارة أي جمعية ومؤسسة، كل هؤلاء وأمثالهم عليهم أن يتخلقوا بالرّحمة ويمارسونها.
وأضاف: وعالم الدين يحتاج أكثر من غيره إلى ابداء الرّحمة، وممارستها مع الناس، ليجذبهم إلى الدين، ويكون قدوة لهم في مكارم الأخلاق.
*لمشاهدة الخطبة*
https://www.youtube.com/live/r1vlPrLjBqs