مع نهاية أيام العزاء الرسمية، قدّم سماحة الشيخ حبيب بن محمد الأحمد كلمةً تأبينية رثائية مؤثرة في تأبين الفقيد المربي الفاضل سماحة العلامة الشيخ كاظم بن ياسين الحريب، الذي رحل عن هذه الدنيا بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء وخدمة الدين والمجتمع، الأربعاء الماضي عن عمرٍ يناهز الستين عاماً، وتم تشييعه الخميس في مشهدٍ مهيبٍ حضره الآلاف من أهالي المنيزلة والأحساء، يتقدّمهم جمع من العلماء وطلبة العلم ووجهاء الأحساء وأبناؤها، في أجواءٍ مفعمةٍ بالحزن والوفاء.
وقد عبّر سماحة الشيخ حبيب عن عمق علاقته بالفقيد، مبينًا أن الشيخ الراحل كان أخًا وسندًا وعونًا له طوال مراحل الدراسة العلمية الدينية والخدمة الاجتماعية على مدى سنواتٍ طويلة، شاركه فيها مسيرة العمل الرسالي والاجتماعي، مؤكدًا أن فقده كان مؤلمًا وعظيمًا، إذ فقد بفقده رفيق الدرب وشريك الرسالة الذي جمعته به المودة والصدق والإخلاص في خدمة الدين والمجتمع.
وفيما يلي نص الكلمة كاملة:
“كلمة شكر ورثاء لشيخ البصيرة والعطاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في عباده الصالحين أنواراً تهدي ومصابيح تضيء دروب الخير والإيمان، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمدٍ وآله الطاهرين الذين علمونا معنى التضحية والولاء والعطاء.
أيها الأحبة…
في يومٍ يختلط فيه الحزن بالفخر والدمع بالامتنان، نقف خاشعين عند أعتاب الفقد نستذكر قامةً من قامات الدين ورمزاً من رموز البصيرة والعمل الرسالي في بلدتنا الحبيبة المنيزلة، سماحة شيخنا الجليل الشيخ كاظم الحريب (رحمه الله)، الذي رحل عنا جسداً وبقيت روحه حيةً تنبض فينا وتنبعث في كل زاويةٍ من زوايا عطائه المبارك.
يا من كنتَ مصباح هدى وراية علم ويداً حانية تمتد إلى اليتامى والمحرومين، يا من زرعت في النفوس الطمأنينة وفي القلوب محبة الله وأهل البيت عليهم السلام.
لقد كنتَ الأب المربي، والعالم العامل، والناصح الأمين، لم تكلّ ولم تملّ، بل واصلت الليل بالنهار في خدمة الدين والمجتمع، فشيّدت المساجد والحسينيات، وأحييت المجالس، وأسست دور العلم والمعرفة لتكون منبراً للهدى ومعقلاً للعلم، وغرست في تلامذتك روح المسؤولية والولاء الحق.
وأصلحت ذات البين، وهي أفضل من عامة الصلاة والصوم المستحب. لقد فقدتك الأحساء، وفقدتك مراكز الإصلاح الاجتماعي، وفقدك اليتامى والمحتاجون، وفقدتك القلوب التي ألفت دفء وجودك وصدق عطائك، غير أن عزاءنا أنك تركت إرثاً لا يُنسى وسيرةً تضيء للأجيال القادمة معاني الإيمان والوفاء.
ونحن اليوم إذ نودعك بالدموع والدعاء نقول لك: جزاك الله عنا وعن المؤمنين خير الجزاء، وجعل مثواك مع النبي وآله في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، فقد أديت الأمانة وبلّغت الرسالة، وسرت على نهج الحسين (عليه السلام) بثباتٍ وإخلاص.
وشكرنا العميق موصول إلى كل من شاركنا هذا المصاب الجلل من العلماء الأعلام وطلبة العلم، والوجهاء والمؤمنين من داخل الأحساء وخارجها الذين عبّروا بحضورهم ومواساتهم وتشييعهم عن وفائهم الكبير لشيخٍ أفنى عمره في خدمة الرسالة الإلهية.
كما نتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى الحوزة العلمية بالأحساء لحضورهم المبارك، وعلى رأسهم أصحاب السماحة السادة العلماء: سماحة الحجة السيد عبدالله الموسوي، وسماحة الحجة السيد محمد باقر الناصر بوطه، وسماحة الحجة السيد هاشم السلمان، وسماحة الحجة الشيخ علي الدهنين، والكثير من السادة العلماء، حفظهم الله وأمدّ في أعمارهم خدمةً للدين والمجتمع.
ونخص بالشكر الجهات الحكومية التي قدّمت واجب العزاء، متمثلةً بوكيل محافظة الأحساء الأستاذ معاذ الجعفري، ومدير عام إدارة الشؤون الأمنية بمحافظة الأحساء سعادة الدكتور أحمد بن سعد الوصالي، مما يعكس التلاحم بين القيادة والشعب.
كما نخص بالشكر إدارة دار السلام بالمنيزلة على جهودهم المباركة في تنظيم التشييع وتجهيزه، وعلى ما أظهروه من تنسيقٍ وإخلاصٍ يعكس عمق الانتماء لهذا النهج المبارك. والشكر موصول لجميع اللجان في بلدتي الحبيبة المنيزلة التي عملت وساهمت وبذلت واستقبلت المؤمنين إكراماً لسماحة الشيخ كاظم الحريب رحمه الله.
والشكر موصول إلى إدارة حسينية البيت التي عملت على تهيئة المكان من ضيافةٍ واستقبال المعزين لأسرته ومحبيه، فجزاكم الله خير الجزاء عنا.
ولا أنسى إيصال الشكر والتقدير لأحبتي وإخواني ورفقاء سماحته من مشايخ وخطباء المنيزلة الكرام الذين كانت لهم الوقفة الكبيرة، وهم الواجهة لبلدتنا، حفظهم الله ورفع قدرهم.
رحمك الله يا شيخ البصيرة والعطاء، يا من علمتنا أن الدين عملٌ قبل أن يكون قولاً، وأن خدمة الناس طريقٌ إلى رضوان الله، وأن الولاء لأهل البيت عليهم السلام نورٌ لا ينطفئ.
نم قرير العين أيها الشيخ الجليل، فأعمالك تشهد لك، وذكرك باقٍ، وأثرك خالد، وستبقى في وجدان الأحساء رمزاً للعلم والورع والإيثار.
ونحن سائرون على نهجك خدمةً للمؤمنين والمجتمع إن شاء الله. إنا لله وإنا إليه راجعون.
والحمد لله على ما قضى وقدّر، وسلامٌ عليك يوم وُلدت، ويوم رحلت، ويوم تُبعث حيّاً.
رفيق دربك والمخلص لك: حبيب الأحمد (أبو أحمد)”





