في لحظاتٍ تختلط فيها الدموع بخشوع الدعاء، وقف سماحة العلامة السيد هاشم السلمان، أمين عام الحوزة العلمية في الأحساء، بجوار عدد من العلماء وطلبة العلوم الدينية والخطباء، مساء الخميس الماضي، بتواجد جموع المشيعين الذين غصّت بهم ساحة التشييع في مقبرة المنيزلة الجنوبية من أهالي المنيزلة وكافة مدن وقرى الأحساء، ليلقي كلمة وداع مؤثرة قبل أن يؤمّ المصلين في صلاة الميت على الفقيد الراحل المربي الفاضل، ورمز الخدمة والعطاء، سماحة الشيخ العلامة كاظم بن ياسين الحريب (رحمه الله)، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح يوم الأربعاء ٣٠ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ، عن عمر ناهز الستين عاماً، بعد حياةٍ حافلةٍ بخدمة الدين والمجتمع امتدت لأكثر من سبعةٍ وثلاثين عاماً، تاركاً خلفه لوعةً وحسرةً في قلوب محبيه وأهله وتلامذته.
قال سماحته بصوتٍ متهدّج تغلّفه لوعة الفقد: «لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، رحمك الله يا شيخنا العزيز يا أبا محمد، لقد رحلت عن دنيانا وخلفت في قلوبنا وقلوب محبيك اللوعة والحسرة والألم، وتركت فراغاً لا يسده شيء، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مات العالم في الإسلام لا يسدّه شيء».
وتابع متأثراً: «نعم، فقدك المحراب، وفقدتك منابر الوعظ والإرشاد، وميادين العمل، وساحات العطاء، ولكن ما يخفف عنا ألم الفقد يقيننا بأنك رحلت مكللاً بأوسمة المؤمن الصالح العابد، تحمل وسام الولاء لله ولرسوله ولأهل بيته عليهم السلام، وقد أحببتهم وملأت قلبك بولائهم، فهنيئاً لك الجنة كما جاء في الأثر: من مات على حب محمد وآل محمد مات شهيداً».
ثم أضاف السيد السلمان قائلاً: «رحلت يا شيخنا وأنت متقلد وسام العالم العامل، الذي جمع بين العلم والعمل، بين الكلمة والتطبيق، بين الفكر والسلوك، لم تكن عالماً منعزلاً، بل واعظاً مربياً وناصحاً وداعياً إلى الخير بخلقٍ عظيمٍ وتواضعٍ جمّ، فهنيئاً لك هذا الخلق، فقد أصبحت من أحبّ الناس إلى رسول الله كما قال صلى الله عليه وآله: أحبكم إليّ وأقربكم مني يوم القيامة أحسنكم خلقاً وأشدكم تواضعاً».
وختم كلمته والدموع تترقرق في عينيه: «لقد كملت بهذه الأخلاق وبتلك البشاشة التي عرفك بها الجميع، وكنت تسعى لإعانة المعوزين وتلبية حاجات الناس، ولهذا أحبّك الجميع، وبفقدك تبكي الأحساء والمنيزلة وكل من عرفك، فسلامٌ عليك يوم ولدت، ويوم رحلت، ويوم تُبعث حياً».
وبعد انتهاء كلمته المؤثرة، تقدّم السيد السلمان صفوف المشيعين ليؤمّ صلاة الميت على الشيخ الحريب، في لحظةٍ خاشعةٍ امتزج فيها صوت الدعاء بأنين الفقد، مودّعين أحد أبرز علماء الأحساء ومربيها، الذي كرّس عمره في سبيل الدين والإصلاح وخدمة الناس بتواضعٍ وخلقٍ رفيعٍ سيبقى أثره حاضراً في القلوب والأجيال.








