ألقى الأستاذ أحمد عبدالله الأحمد (أبو منتظر) رئيس مجلس إدارة جمعيتي ملاذ الخير للإسكان التنموي وأمان للخدمات الإنسانية، كلمة لجنة (أثر يبقى) في أربعينية سماحة العلامة الشيخ كاظم بن ياسين الحريب قدس الله نفسه الزكية، وذلك في الحفل التأبيني الذي أقيم الجمعة الماضية في حسينية آل البيت عليهم السلام بالمنيزلة، وسط حضورٍ من السادة والعلماء وطلبة العلوم الدينية والخطباء وأهالي المنيزلة ومحبيه، في حفلٍ غلبت عليه مشاعر الحزن ودموع الفقد.
وعُرف عن الأحمد حضوره الدائم في ميادين الخدمة، والرجاحة في المواقف، والوفاءٍ الذي تجلى في سنواتٍ طويلة من العمل المشترك مع الشيخ الراحل، وهو: «الرجل الذي إذا حُمّل أمراً قام به، وإذا استودع سرّاً حفظه، وإذا احتاجه الناس وجدوه في الليل قبل النهار، وفي الشدة قبل الرخاء، ثابتاً لا يتراجع، ومع كل مشروع يخدم المجتمع، ومع كل خطوة في طريق الإصلاح، كان الساعي الأمين والصوت الصادق والرجل الذي ينهض ولا يتراجع».
وضمن كلمته، أعلن الأحمد عن إطلاق لجنة «أثر يبقى – رمز الخدمة والعطاء»، لتكون جهة تُعنى بتوثيق تراث سماحة العلامة الشيخ كاظم بن ياسين الحريب، وحفظ إنجازاته، ورعاية ما خلّفه من أثر اجتماعي وديني وخيري في المنيزلة والأحساء.
كلمة الأستاذ أحمد بن عبدالله الأحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى:
( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضيةً فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.
السادة العلماء، والإخوة الفضلاء الكرام…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ودّعت أوساط العلم والدين والخدمة المجتمعية في المنيزلة والأحساء سماحة العلامة الشيخ كاظم بن ياسين الحريب قدس الله نفسه الزكية، رجلٌ عاش عمره في خدمة الناس.
وصنع أثراً لا يُمحى، وترك في القلوب نوراً، وفي المجتمع بصمة لا تُنسى.
منذ أن طرق أسماعنا نبأ رحيله الأليم، كان ذلك في المستشفى… في تلك الدقيقة والمصيبة في أوجها، والذهول يعم الجميع… تنحّيت جانباً من الإخوة، سألت الله أن ينزل علينا السكينة، وأن يلهمنا ماذا نعمل.
مباشرةً رجعت للإخوة وقلت لهم: نحن أمام حدث وفجيعة كبرى، علينا أن نؤجل الحزن والألم… قسمٌ يبقى في المستشفى، وقسمٌ يذهب للتنظيم والترتيب.
أعلم أنّ هناك خطوات وتنسيقات وقرارات يجب أن تسود المشهد بكل سرعة تتسم باتزان وحكمة ومراعاة لمقتضى الحال:
- موعد الدفن
- من سيغسّل الجثمان
- انتقال الجثمان إلى جامع الإمام الجواد (ع) والوداع الأخير وبرمجة ذلك
- عودة الجثمان للمقبرة ومشاركة الناس
- رسم مسيرة مراسيم التشييع البداية والانطلاق
- موقع القبر
- تفاصيل تجهيز موقع التشييع بكل الاحتياجات اللازمة
- إدارة الحشود التي سوف تفد للمشاركة في التشييع
- الصلاة عليه من العلماء الأجلاء: من ومن…
- تشكيل اللجان وتوزيع الأدوار
- الجانب الإعلامي والتصميم والتصوير
- التوصيات والتأكيدات على أدق التفاصيل
- تنزيله في القبر والتلقين والقراءة
- وتنظيم أيام الفاتحة واستقبال المعزين من كل الأطياف
فكانت التفاصيل، وكان كل شيء بمشورة وتنظيم، ويبقى القرار سيد الموقف، مما أثبت مدى تماسكنا وإيماننا بدور القيادة التي كان يرسّخها فينا سماحته.
فقد وضعنا الحزن جانباً، وتجاوزنا ألم الفقد، ووقفنا أمام مسؤولية الوفاء لمقامه قدس الله روحه. فاندفعنا نحو تنظيم مراسيم التشييع التي شهدت حضوراً غفيراً قُدّر بالآلاف من المعزين، وكان الحدث استثنائياً بحجمه وهيبته، واستثنائياً بتنظيمه وإدارته.
وقد تكاتفت اللجان كافة—كلٌّ في موقعه—لتثبت أنها على قدر الرهان، فتولّت إدارة الجموع وتنظيم مراسيم الفاتحة بانضباط وإتقان وانسيابية تليق بالراحل الكبير.
وهذا الأداء ليس غريباً على لجان تربّت في مدرسة سماحته؛ مدرسة الحكمة، وإدارة المواقف الصعبة، وتحويل الأزمات إلى فرص، والعمل بهدوء ووعي ومسؤولية.
فكلّ الشكر والتقدير لتلك اللجان والأفراد الأوفياء الذين كان لهم إسهامٌ مشهودٌ في تنظيم مراسيم التشييع والعزاء لسماحة الشيخ الراحل، ولكل من شاركونا في واجب التعزية من الجهات الرسمية، والعلماء، والمشايخ، ومحبي سماحة الشيخ، جزاهم الله جميعاً خير الجزاء.
أيها الجمع الكريم…
إن فقد سماحته لخسارة كبرى، لكن عزاؤنا أنه خلّف من بعده أبناءً وإخوةً وأوفياء سيواصلون المسير كما كان يريد ويرضى؛ خدمةً للناس والمجتمع والوطن بكل صدق ومحبة وتفانٍ.
وإننا اليوم في يوم أربعينك نؤكد أننا ماضون في استكمال المشاريع الاجتماعية والخدمية التي وضعت أساسها حجراً على حجر، سنةً بعد سنة، ومنها:
- مشروع مواقف جامع الإمام الجواد عليه السلام
- توسعة المسجد الشمالي (الإمام المهدي عليه السلام)
- مشروع حسينية آل البيت عليهم السلام بما يتضمنه من ضم البيوتات المجاورة وتطوير إدارة الحسينية وضبط شؤونها
- إلى جانب المضي في الأعمال الخيرية والمؤسسية في جمعية ملاذ الخير و جمعية أمان لخدمة المحتاجين والأيتام، كما كان يوصي ويؤكد دائماً.
وسنواصل كل نشاط وبرنامج ولقاء واجتماع كان يوليه سماحته اهتمامه—لا تراجع، ولا تردد، ولا تخاذل.
بل نحن اليوم – وبفضل الله – في قوة واقتدار وتمكين أكبر مما مضى، ضمن الأطر النظامية والرسمية لجميع مؤسساتنا الدينية والخيرية والاجتماعية.
فالالتزام بالنظام كان مبدأ راسخاً يؤكد عليه سماحته دائماً، ويراه ضمانة لخدمة الناس وحفظ حقوقهم وتنظيم شؤونهم، ضمن منهج مؤسساتي منظم وخطط مستقبلية.
وإننا نستشعر أن روح سماحته المباركة تدفعنا نحو التقدم، وتحثّنا على تجاوز العقبات، وأن كل عائق ليس إلا منصة نرتقي منها نحو مزيد من الإنجاز، ما دمنا نبتغي رضا الله، ونستظل برعاية صاحب العصر والزمان (أرواحنا له الفداء).
أيها الأحبة…
ما نقوله ليس شعارات ولا كلمات عابرة؛ بل هو عهد وميثاق ووعد قطعناه نحن أبناؤه وإخوته ومحبوه ورؤساء اللجان والكيانات في هذا المجتمع.
وسنبقى أوفياء…
نذكرك يا سماحة الشيخ في صلواتنا ودعائنا، وعند كل عمل خير، وكل إنجاز يتحقق اليوم وغداً.
وستظل وصاياك ودروسك نبراساً في قلوبنا، تُترجمها أعمالنا قبل أقوالنا، وتحفظ خطّك الذي زرعته في هذا المجتمع.
فنم قرير العين يا أبا محمد…
فوالله إننا لنشهد ويشهد الجميع بإيمانك وتقواك وورعك، بذلت جلّ جهدك في خدمة ورعاية الناس وتسهيل أمورهم، وخدمت في محراب الصلاة وفي الساحة الاجتماعية أكثر من ٣٥ سنة.
انتقلتَ لعالمٍ أكثر جمالاً وكمالاً، فيه تتجلى رحمة ونعيم الله ورضوانه، عالمٌ يوفي فيه العاملون الجزاء الأوفى، قنطرةٌ انتقلتَ منها إلى عالم البقاء السرمدي والحياة الحقيقية.
فهنيئاً لك، فكل من عرفك منذ صغرك إلى بلوغك عمر الستين وأنت في ميدان العمل والخدمة حتى آخر لحظات عروج روحك الطاهرة، وأنت تجيب على الناس مسائلهم الشرعية.
سيبقى اسمك شعاراً للأجيال، يلهمهم ويشحذ الهمم، ويرسم طريق الخدمة والإصلاح بين الناس، وزرع المحبة بينهم، والدعوة نحو التنمية والتقدم.
وستبقى أثراً يُتلى على الألسن، وتراتيل دعاء في أفواه الرجال والنساء والشباب والأطفال؛ فأنت في القلوب باقٍ، وفي الدعوات حاضر، وفي ذاكرة هذا المجتمع صفحة مضيئة لا تمحى.
ونعلن لكم
أننا—وعلى بركة الله—أطلقنا لجنة تُعنى بتراث وإنجاز ومآثر سماحة الشيخ الراحل تحت مسمى:
أثر يبقى
رمز الخدمة والعطاء
قال تعالى:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”
اللهم اجعلنا من الصابرين على قضائك…
وشملنا بصلواتك ورحمتك…
واجعلنا من المهتدين إلى سبيلك…
وسكّن روعنا وطيّب أنفسنا، وأن نحتسب عندك سماحته…
واجزه بالإحسان إحساناً مضاعفاً، وصحبة من تولّى على درب الولاء المحمدي الأصيل.





