الجزء الثاني
? تعتبر لغة الوفاء من أصعب اللغات التي يصعب على معظم بني البشر إتقانها كما يتقنون لغة الكلام والبيان.
? المتقنون الحقيقيون للغة الوفاء هم : الواصلون للقربى ، والذاكرون للمودة ، والمحافظون على الصحبة ، والمتمسكون برباط الأخوة والإيمان.
? لعل لغة الوفاء هي اللغة الوحيدة بين البشر التي تغافلها الكثيرون ، ولم يقدرها إلا المؤمنين ، ولم يتقنها إلا الواعين ، فقال تعالى: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ.
? من أعظم أصناف المتقنين للغة الوفاء مع الله ، أولئك البشر الذين انطبق عليهم قول الله تعالى : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً.
? لغة الوفاء مع الآخرين لا تحتاج لألقاب دنيوية ، وصور مزركشة ، وثقافة مغلوطة بقدر حاجتها لقلب نقي ، وخُلق رفيع يعترف بالجميل ، وينسى القبيح ، ويصون العشرة ، ويحفظ المودة .
? السلوك الحقيقي للغة الوفاء مع المؤمنين ليس بإتقانها مع المحسن والمحب والصديق ، بقدر إتقانها مع المسيء والمبغض والعدو.
? هنالك صنف من البشر لا يعترف بلغة الوفاء مطلقاً ، فلا يتعامل بها مع الناس في حياتهم ، ولا عند وفاتهم ، ولا بعد مماتهم ، فهو ( الميت ) الحقيقي بينهم !!.
? هنالك صنف من البشر يتعامل بلغة الوفاء مع الآخرين أثناء حياتهم ، ويتذكرها حين وفاتهم ، وينساها بعد طول مماتهم .
? أفضل صنف يتقن لغة الوفاء مع غيرهم هم العاملون لأبجدياتها في حياتهم ، وحين وفاتهم ، وبعد طول مماتهم .
? كثير من البشر لا تتعدى لغة الوفاء مع الآخرين شفة لسانه وهو مايعرف (بالنفاق الأخلاقي ) ، لأنهم وظفوها في لغة زائفة محصورة في صورهم الحية ، وبيوتهم العامرة ، ومصالحهم الدنيوية الزائلة ، فإذا اختلفت أو ماتت النفوس ، وخربت البيوت ، وانقضت المصالح ، كلت ألسنهم عن البوح بلغة الوفاء لهم قبل وأثناء وبعد الممات .
? من فنون الإبداع للغة الوفاء عند المتقنين لها أنهم يصنعونها مع المسيئين إليهم بالعمل المشين أو بالقول البذيء أو بسوء الظن ، فيدفعوه بدعوة صادقة ، واستغفار صادق ، لأنهم يدركون قول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34.
? من فنون الإبداع للغة الوفاء عند المتقنين لها أنهم يصنعونها مع المحسنين إليهم حتى لو انحصر في حسن ظن بهم ، فيوظفوه بدعوة صادقة لهم ، ونية خالصة في محبتهم ، وأمنية مساعدتهم ، لأنهم يعملون بقول الله تعالى:{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}الرحمن.60.
? الحب والوفاء توأمان ، فلا يثبت حبك للإخوان في الدنيا إلا بلغة الوفاء لهم بعد خروجهم منها ، ولذلك قال رسول الله (ص) في السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة: " واخوان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ".
? أصعب اختبار للغة الوفاء لأمواتنا يكمن في استمرار التعامل بها حتى بعد طول فترة الفراق ، فالمداوم عليها هو من أولئك المحظوظين ، لأنه أتقن لغة صعبة بين البشر .
? الحب في الدنيا بدون لغة الوفاء لا قيمة له ، لأن الآثار المترتبة على الحب مرتبطة بلغة الوفاء في عالم الدنيا والآخرة ، فإذا انقطعت لغة الوفاء قبل الموت أو بعده حبطت المودة وضاعت مصداقيتها.
? من تمام لغة الوفاء للإخوان : أن تكون حقيقتها في الله ، وتظهر دلالاتها بالدفاع عنهم ، والأنس بهم ، والخوف عليهم ، والشوق إليهم ، وحب احبابهم ، وبغض عدوهم ، وموافقتهم في الحق ، ومخالفتهم فيما يخالفه ، وارشادهم أثناء الحياة ، وشدة الحزن على فراقهم ، والمداومة في أعمال الخير والدعاء لهم بعد فراقهم .
? لغة الوفاء مع الأموات تكمن في المحافظة على إنجازاتهم ، وإكمال مسيرتهم ، واستمرار وصالهم ، والصدقة نيابة عنهم ، والدعاء لهم ، وملازمة ذويهم ، والمحافظة على عهود عشرتهم ، فهي من علامات المؤمنين الصابرين والمراهنين عليها ، حتى وإن كان بعضهم من المجحفين لها أثناء الحياة .
? من لوازم لغة الوفاء لغيرنا في الحياة وحين وبعد الممات : الدوام والثبات على محبتهم حتى حلول الموت وبعده ، سواء كان معهم أو مع أولادهم أو أصدقائهم ، إذ لا تعرف قوة المحبة للغير إلا بتعديها من المحبوب إلى كل من يتعلق به من بشر .
? إن لغة الوفاء التي تنقطع أثناء الحياة أو بعد الممات ـ لا تكون محبة في الله ، كون المحبة في الله محبة دائمة لا انقطاع لها ، بل ربما قليل الوفاء بعد الوفاة خير من كثيره حال الحياة.
? لعل من أهم ما يمز المتوسمون بلغة الوفاء للأحياء والأموات دون سواهم من البشر أنهم استنطقوها بصمت فعالهم ، وغلفوها بهالة كتمانهم ، وجملوها بأزهار إخلاصهم.