إنّ وصْف الرسالة الإسلامية بالعالمية خصّها بمخاطبة الإنس والجن ، وجعل رسولها الكريم عَلَما شامخا يتوق الجميع لرؤيته .
لقد جاء الرسول الكريم برسالة سماوية ناسخة لجميع الأديان مما جعل الأنظار تتجه نحوه ، وأصبح محور اهتمام الكثير من الناس ، مما ساعد على أن يلتفّ حوله الكثير من الأعداء والأحباب على السواء.
ولابد أن نتذكر كيف كان الأحبار والرهبان يتعقّبون خطّ سيره منذ معرفتهم ببعثته المباركة .
وظل ذلك التّعقب مستمرًا ، فالجميع يترقب مولد الدعوة الإسلامية على يديه المباركتين .
وإن كان البعض متيقنا بصدق ما دعا له صلى الله عليه وآله إبّان دعوته ، إلّا أنه خالفه عنادا واستنكافا ، قال تعالى في كتابه الكريم في سورة المدثر :
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) ثم بناء على تكبره وعناده خرج بنتيجة غير عادلة :( فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) وقد كان الحقد على الرسول الكريم نابعًا من مكانة بني هاشم بين القبائل العربية ، و هو المُسوّغ من عدم اعتناق الدعوة الجديدة لتميّزها بخروج خاتم الأنبياء والرسل من بني هاشم .
وظلّت تلك الاتهامات والأكاذيب تمسّ شخصه الكريم وتتطاول على تلك الهالة المضيئة لتخرقها ، ولكن لابد أن يُغشيها الضوء فتردح تحت سياط العذاب ؛ فكما للبيت رب يحميه فالرسول الكريم له عناية خاصة تشمله وترعاه في حياته ومماته.
إنّ التطاول عليه صلى الله عليه وآله وسلم هو تطاول على الله تعالى ، فقد قرنه الله تعالى بنفسه حينما قال :
( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (سورة النساء، آية 80) .
إن شخصية الرسول الكريم ليست قضية لغوية أو نحوية مُخْتَلف فيها ، واختلاف الرأي لايفسد للودّ فيها قضية ، بل جميع آرائكم المسيئة له ، محطّ غضب لجميع المسلمين ولكل إنسان مُنصف .
لذلك يجب على كل مسلم أن يخرج من منطقة الراحة عنده فتثأر غيرته على نبيه الكريم .
يجدر بنا إثبات الرأي ، وتوثيق الكلمة الصادقة وفاء وعدلًا لسيد البشرية .
في سيرته العطرة مايغري الباحث حتى يصل لحالة من الشبع المعرفي لحقيقة الإنسان في عظمته ، ويُضيء له الطرق المظلمة للتعرف على جمال الكلمة وفنونها .
وهذا ما لا يُخفى على جميع البشر الذين طرقوا البحث في سيرة الرسول الإنسان قبل أن يكون رسولًا .
أما الجوانب الخفية التي لايعرفها الكثير من الناس فأسهب الحديث عنها المستشرقون والباحثون بمختلف أديانهم ومذاهبهم .
وبنظرة خاطفة للمكتبات العالمية سوف ترى بصمات الكثير من المؤلفين الذين أشبعوا الصفحات بالحديث عنه صلى الله عليه وآله ، فهذا المستشرق الفرنسي كليمان هوار يقول :
( اتفقت الأخبار على أن محمدًا كان في الدرجة العليا من شرف النفس ، وكان يُلَقّب بالأمين ، أي بالرجل الثقة المعتمد عليه إلى أقصى درجة ، إذ كان المثل الأعلى في الاستقامة ).
ولاتخلو المتاحف العالمية من وجود بعض الآثار التي تُجسد شيئًا من حضوره الشريف بيننا .
ونظلّ نردد :
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قطُّ عَيني
وَأَجملُ مِنك لَم تَلد النساءُ
خُلقت مبرَّءاً مِن كُل عَيب
كَأنّكَ قد خلِقتَ كَما تَشاءُ.
ونسلّم عليك يانبي الرحمة في كل وقت وحين ونواصل الدفاع عنك خاصّة في معاودة ظهور من فَكَّرَ وَ قَدَّرَ بحلّة جديدة حتى يكون على حافة الوادي ويسقط بأمر إلهي .
( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) ( سورة الحجر، آية 95 ) .