في الأصل كل أبناء آدم دون استثناء، يحبون الرفاهية والدعة والتفاؤل والروقان والمكاسب السهلة، والضحك والمرح والسعادة ودوام الصحة، وسعة الرزق وزيادة الخير في المال والعيال، ولذيذ الطعام وسماع الكلام الإيجابي، ويكره كل أبناء آدم الموت والمرض والفقر، والسجون والحوادث والخسارة والرسوب، والتعاسة والنكد والرحيل والمنغصات والتشاؤم والسلبية .
وواقع الحياة التي نعيشها في هذا الكوكب الجميل، متقلب بين حال وحال لأغلب الناس، لا سيما وأننا نعيش في عالم مليء بتصادم المصالح، وصراع الإرادات والتنافس غير الشريف، وتنوع الإيديلوجيات وتضخم الأنا و عنصرية التحيز، فضلا عن وجود الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والسيول والأعاصير والأوبئة والفيروسات .
نعلم علم اليقين بأن الإنسان يعيش الحالة الإيجابية أحيانا، ويتعرض للحالة الانكسارية أحيانا أخرى، فالإنسان الموضوعي لا ينغمس في الحزن بشكل مفرط، ولا يفرط في التفاؤل بحد الإفراط ، وإنما يوازن بين كل الأحداث الواقعة من حوله، ويؤثر فيما يستطيع من الأحداث ويستثمر الأحداث الصادرة منه أو ممن هم حوله؛ لصنع الأفضل في يومه وسنته وحياته وبث حياة ونماذج ومفاهيم أجمل لمن هم حوله .
قد يتضجر بعض الشباب من محيطهم الاجتماعي الذي انغمس في الحزن وتناقل قصص الإحباط والبؤس والكآبة بشكل مفرط، فيتخذ بعض الشباب والفتيات كلمات الأغنية المشهورة :
و بحب الناس الرايقةا
للي بتضحك على طولا
أما العالم المضايقة انا لئه
ما ليش في دُوّل
كشعار لهم في نبذ كل ما يدور حولهم في مجتمعهم من قصص بؤس و إحباط، بل البعض يصل به حب المتابعة الدائمة والشغف الشديد، بمشاهدة مقاطع الفيديوهات المضحكة وسماع الموسيقى الصاخبة والأغاني المائعة حد الثمالة، حتى أوصلت البعض منهم لمرحلة موت القلب وتغييب الضمير الإنساني الحي؛ بقصد الهروب من مواجهة الواقع بمره وحلوه، و هناك من يحلم بالذهاب لمجتمعات أخرى ليس للعلم وتحسين المستوى المالي وإنما ليستحصل حالة الروقان الدائم؛ لأن ما يراه في التلفاز من صور وردية عن ذاك المجتمع، تبعث في مخيلته أن الضفة الأخرى من النهر أكثر اخضرارا وليس بها مشاكل وتحديات .
في عالم اليوم برزت ظاهرة تستحق التمعن والتدقيق والدراسة وهي : ظاهرة كثرة تداول مقاطع الفيديو المضحكة، حتى لو تضمنت مناظر بائسة ووقوع ضحايا و إصابات مميتة، وانكشاف عورات وتبرج مقيت وانزلاقات أخلاقية وعقائدية كبرى، وهذا الأمر أثار تساؤلات عدة في ذهني ، لا سيما عندما اُشاهد مقطعا لرجل أو امرأة، يستمر في تصوير ضحايا مقربين له دما ونسبا وهم في أمس الحاجة لمساعدته قبل وقوع حادث كالسقوط أو الانزلاق، فيؤثر ذاك المصور توثيق الحرج الذي وقعوا فيه على مد يد العون في استنقاذهم ! و ينشر ذلك الشخص المقطع الذي صوره على الملأ على أنه موقف مضحك ليشارك به الآخرين بدلا من إيقاف التصوير وتنبيه الضحايا قبل وقوع الحادث .
سوء الفهم والتوظيف لمصطلح الروقان بين بعض الشباب و الفتيات، أدى إلى إنكار الواقع الذي يعيشون، والكفر به والتركيز فقط وفقط على مجالسة أصحاب الطرب والوناسة، وشلل الطرافة ومتابعة بعض قروبات العالم الافتراضي؛ لتبادل مقاطع الفيديو للمواقف المضحكة، والأدهى أن هذا المفهوم عن الروقان استطال ليشمل مفهوم الإيجابية، و تعريف الإنسان الإيجابي في أذهان البعض منهم، فأصبح لدى البعض تصور أن مفهوم الإيجابية والتفاؤل، هو سماع الكلام المنمق والحلو ودغدغة المشاعر ورسم الأحلام الوردية، حتى لو كان ذلك الكلام وقائله مُخالفان للواقع المُعاش والإمكانات المتاحة والفرص المتوفرة والإحصائيات الرسمية المنشورة .
التفاؤل شيء جميل وكل العقلاء يتبنونه ويعملون به، تطلعا لمستقبل أفضل ويوم أجمل، إلا أن درجات التفاؤل لدى البعض أخذت منحى غير منطقي وغير عُقلائي . الإنسان الإيجابي يواجه الواقع بتحدياته، ويسخر كل طاقاته لتوظيف الأحداث في خلق أفضل الممكن، وينظر للزوايا الجميلة في الأحداث، ولا ينكر أو يهرب من الواقع بالانغماس في مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة بشكل مستمر، أو سماع الأغاني ليل نهار، أو إحاطة النفس بأهل الهزل والمهايط، فكما ينتقد البعض وأنا أيضا انتقد موضوعيا انغماس البعض في حالات الحزن الدائم وتجديد الأحزان المستمر والهروب من معالجة تحديات الواقع، كذلك ينتقد البعض وأنا أيضا أنتقد موضوعيا معهم ، انغماس البعض في تصنع الإيجابية غير الموضوعية و التفاؤل غير المنطقي والروقان البائس .
فلا المتفائل المفرط ولا صاحب الحزن المنغمس في حزنه، صنعوا حلولا عملية لتحديات الحياة ، ولم يساهموا في صنع واقع أفضل لأنفسهم و لأسرهم، و لمن هم حولهم ولمجتمعهم، فضلا عن المجتمع الإنساني، فالتوازن والموضوعية والسعي النشيط لحلحلة الأمور وطرح الحلول الفاعلة، تبدأ بالموضوعية في قراءة الوضع والتفاؤل في إيجاد المخارج والإيجابية المتزنة في التنفيذ للحلول .
تعليق جانبي :
للمصارحة عجبني الشطر الشعري التالي لذات الأنشودة : كل اللي في قلبه حاجه أول بأول يقول، وأنا قلت اللي في جعبتي في هذا الصدد وأنتظر التعليق منكم أعزائي القراء .