في عالم يتسارع جدًا وبنسب مخيفة يشهد لها أغلب الناس، تكاد لا تتعرف على مفاتيحك الجديدة التي امتلكتها مؤخرًا لفتح أبواب حياتك اليومية النمطية الأحداث.
فمفتاح الصباح لم يعد يفتح لقراءة القرآن الكريم أو بعض أدعية الصباح من وريقات كتب الأدعية، بل تحوّل إلى مفتاح ذكي يُشغَّل بواسطة منطوق صوتي وأمر بالتشغيل التقني. وفي لحظات، تصدح الكلمات في كل أرجاء المكان الذي أنت فيه، وقد تكون على مائدة الإفطار، أو تقود سيارتك نحو العمل.
ومفتاح الطبخ الذي تديره ربّة البيت، لتُعدّ به أشهى المأكولات، أصبح أذكى من أن تُشم في البيت روائح عبقة متطايرة هنا أو هناك، بل بزرٍّ في أحد التطبيقات تأتيك المائدة متنوعة وجاهزة، وقد وفّر الكثير من الجهد والوقت لكثير من السيدات.
أما مفتاح العلم والمعرفة، فحدّث ولا حرج. فبعد أن ظهرت منصات المحادثات الذكية، تحوّل العلم إلى مجرد رموز وكلمات متقطعة تُعطى لهذه المنصات والبرامج لتحولها إلى مقالات، وكتب، وروايات، مكتوبة ومسموعة.
ولم يعد على المتعلّم أو طالب العلم والمعرفة إلا أن يأمر تلك المنصات بأن تحلّ له واجباته، وترتّب جدوله، وتنسّق له مهامه، وتقتبس له معارف من هنا وهناك، وفي ثوانٍ معدودة.
لقد سطّرت المفاتيح الذكية خَلقًا تقنيًا جديدًا، واسع بابه، كبير بحره، عميقة معانيه وأفكاره، أسرعت من وتيرة الحياة بشكل كبير جدًا، وطوت سنوات من البحث والتفكير في الانتقال من عالم إلى آخر، ومن تطوّر إلى آخر، وكأن الزمن قفز قفزة طويلة ساهمت في تقصير مسافة البحث والعمل.
في الزمن الماضي، لكل إنسان عندما يعود به إلى طفولته، يرى بأن الأشياء تسير وفق خطوات قدميه الصغيرتين، وكلما كبر تكبر معه المسافات، وتحلق به حتى لتكاد أن تطير، فلا يرى نفسه إلا راكضًا، لاهثًا، يسرع في إنجاز ما لديه من مهام خوفًا من أن يدركه الوقت، وتتزاحم عليه الأشغال.
اليوم، لم تعد تلك الأفكار تسيطر على الناس بالقدر الذي كانت عليه، والسبب يمكن أن يكون وراء تلك التي أسميتها في مقالي بـ "المفاتيح الذكية".
ومن هنا بدأت البشرية تتساءل: **هل هذا التسارع أم ذاك التباطؤ هو الأفضل لحياتنا؟ **
فبين مؤيد للتقنية الذكية ودخولها السريع في حياتنا، وبين من يرى أن هذه المفاتيح أفسدت هدوء الحياة وجمالها، وبالرغم من احتياج من يرون ذلك لهذه المفاتيح الذكية احتياجًا كبيرًا لتيسير أمور حياتهم، إلا أنهم غالبًا ما يفضلون العودة إلى الطرق القديمة في إنجاز تلك الأمور.
ولكن باتت أكثر الدول المتقدمة تُقصي تلك الطرق القديمة حتى من أنظمتها اللوجستية، مجبرةً شعبها على مجاراة الذكاء التقني، ليس قسرًا وإنما طواعية، حيث لا يوجد بديل لذلك. وترى شعوبها الرافضة في جيوبهم المفاتيح الذكية، وفي ذاكرتهم مفاتيح الحديد القديمة، التي ما أن تصدأ أو تنكسر تُستبدل بغيرها عند الحدادين والمصنعين المحليين. ولدى المؤيدين، شغف كبير للمزيد من تلك المفاتيح التي سهلت وستسهل عليهم الكثير من الأمور التي يمكن إنجازها في أوقات قياسية، جهدا، ووقتا، وكماً، يتناسب مع تسارع خطوات الحياة ويتوافق مع كبر حجمها.
وقد أدركنا اليوم بأن التقنية الذكية طريق لا بد من أن يمشي عليه الجميع، شاءوا أم أبوا، فهو الطريق الأسرع والأذكى في إنجاز مهام الحياة بأقل الخسائر والأخطاء. وهو الطريق الذي ما أن أحببناه أحبنا، وطوّع لنا ذكاءه، وجعله في خدمتنا، وما أن كرهناه حتى يكرهنا، وتستعصي جميع مفاتيحه عن فتح أبوابنا.
كتب المقال من بنات أفكاري
وصحح من الأخطاء بواسطة مفتاح ذكي من تلك المفاتيح.
التعليقات 1
1 pings
جاسم محمد الدليم
2025-05-21 في 2:53 ص[3] رابط التعليق
مقالك يعكس تناقضًا عميقًا في عصرنا:
التقنية تُسهّل حياتنا، لكنها قد تُفقِدنا روابطنا الإنسانية والجمال البسيط للأشياء.
نعم، المفاتيح الذكية وفرت وقتًا وجهدًا، لكنها أيضًا قلّصت مساحة التأمل، والصبر، والتفاعل الحقيقي مع العالم.
التسارع التقني حتمي، لكن الأهم هو كيف نُوازن بينه وبين إنسانيتنا.
هل نستطيع أن نستخدم هذه الأدوات دون أن تستهلكنا؟ أن نتمسك ببعض “المفاتيح القديمة” كالقراءة الورقية، أو الطبخ بيديك، كفسحات للهدوء في عالمٍ يعدو بلا توقف؟
التقنية ليست شرًا ولا خيرًا مطلقًا، بل مرآة لاختياراتنا.
فالأجدر بنا أن نُذكيها بأخلاقنا، لا أن نُذكي أنفسنا بآلاتها.