ليست السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية، المشهورة بـ أمّ البنين (عليها السلام)، امرأةً عادية مرّت في تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، بل كانت مدرسةً في الولاء، وصورةً ناصعة لمقام المرأة الرسالية التي وهبت روحها وولدها وكلّ ما تملك في سبيل الله وخدمة أولاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام).
كانت من بيتٍ عربيٍّ عريقٍ مشهور ومعروف بالشجاعة والوفاء، ربّاها والدها “حزام بن خالد” على مكارم الأخلاق والنبل والإثارة ، فكانت على مستوى يليق بأن تكون زوجًا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
✨ أخلاقها الرفيعة مع أمير المؤمنين (ع)
دخلت أمّ البنين بيت الإمام علي (ع) وهي تدرك عظمته ومكانته في الإسلام وعمق إيمانه وصبره الذي يحارب فيه كل فكر وبلوغ ساحله ، وتعرف أنّه بيتٌ مثخنٌ بالجراح مما أصابه من فقد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وبعد فقد أعز إنسان على قلب أمير المؤمنين عليه السلام هي سيدة النساء الزهراء (ع). فجاءت لا لِتكون زوجًا بديلة، بل خادمة لأولاد سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام .
ومن أعظم شواهد أدبها ومعرفتها بحقّ سيدة نساء العالمين قولها لأمير المؤمنين (ع): كما ينقل ارباب السير مخاطبتاً زوجها [يا أمير المؤمنين، لا تدعُني فاطمة؛ فأنا أخشى أن يسمع الحسن والحسين فيحزن قلبهما لذكر أمّهما
هذه الكلمة وحدها تكشف عمق الإيثار ونقاء الروح؛ فهي لم تفكّر بنفسها، بل بألم أولاد يتامى فقدا أمّهما الطاهرة.
🏞️ تربيتها لأولادها الأربعة: مدرسة الولاء لآل محمد
أنجبت أم البنين رضوان الله عليها أربعة أبطال مثل نسور الربى وهم:
العباس، عبد الله، جعفر، عثمان رضوان الله عليهم —وكلهم استشهدوا في كربلاء دفاعًا عن إمامهم ملاذهم ومقتداهم الإمام الحسين (ع).
لقد ربّتهم على أن يكونوا خدّامًا مطعين ومتبعين لأبناء الزهراء لا أخوة عاديين . كانت تقول لهم:
[يا بنيّ، إذا خرجتم مع الحسين فكونوا دونه، وفدوه بأنفسكم، فهو بقية جَدّه وأبيه
وكانت دائمًا تردّد أمامهم: كما ينقل في التاريخ
[الحسين إمامي قبل أن يكون ابنَ سيدكم.]
بهذه الروح تربّى العباس (ع) حتى صار قمر بني هاشم، وصار نموذجًا للفداء المطلق.
🌑 موقفها بعد استشهاد الإمام الحسين (ع)
حين وصلت الأخبار المروّعة والمفجعة إلى المدينة المنورة ، لم تسأل عن أولادها الأربعة، بل كان همّها السؤال عن سيدها الإمام الحسين (ع):
وقف المخبر وهو بشر ابن حذلم عندها فقال لها :
– قُتل عبد الله…واستشهد جعفر.. وسقط عثمان…واستُشهد العباس…
فكانت تقول في كل مرة:
[أخبرني عن الحسين ودموعها سافحة ! ما فعل ابن الزهراء؟]
حتى إذا قال لها:
– قُتل الحسين…سقطت مغشيًّا عليها.
📚 المصدر: ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج ٤، ص ١٠٧.
ويذكر الشيخ القمي أن دموعها لم تجفّ حتى آخر حياتها، وكانت تجلس في البقيع تنشد رثاءها الخالد:
[يا من رأى العباس كرّ على جماهير النقد
ووراه من أبناء حيدر كل ليث ذي لبد
أودت بنفسي أن أرى شمل الحسين قد بدّد]
هذه الكلمات تُظهر أن قلبها كان قلب أمٍّ للإمام الحسين قبل أن تكون أمًّا للعباس.
📘 دروس وعبر من سيرتها المباركة
1️⃣ الإيثار فوق الذات
من أعظم دروسها قولها:
«لا تدعوني فاطمة.»
إنها تربية للإنسان على تقديم مشاعر الآخرين على مشاعره.
2️⃣ التربية على الولاء المطلق لأهل البيت (ع)
ربّت أبناءها على أن الفخر ليس بالنسب ولا القوة، بل بـ نصرة الحق وأهله.
ولهذا وقف العباس (ع) أمام الحسين كالجبل، وقال:[نفسي لنفسك السبط وقاء] وهذا الموقف ترجمة حرفية كاملة لتربية أمّ البنين رضوان الله عليها .
3️⃣ المرأة الرسالية في بيتها
لم تحاول أن تبرز نفسها في بيت أمير المؤمنين عليه السلام ، بل كانت صاحبة دور هادئ وعميق، تربّي وتخدم وتبني رجالًا سيغيّرون مجرى التاريخ.
4️⃣ الثبات وقت المصائب
تلقّت خبر استشهاد أربعة أبناء، لكنها لم تنهَر إلا عند ذكر الإمام الحسين عليه السلام ، لأنها ترى المصيبة الحقيقية هي فقدان إمام الحق.
5️⃣ الولاء لا يموت مع الفقد
استمرت في رثاء الحسين (ع) والبكاء عليه، وأصبحت من أعظم الشخصيات التي أحيت مأساة كربلاء في المدينة المنورة .
🕊️ خاتمة
تبقى سيرة السيدة أمّ البنين (رضوان الله عليها ) مصدر إلهام لكل مؤمن ومؤمنة؛ فقد قدّمت درسًا خالدًا في معنى:
• الإيثار - التربية الإيمانية - الفداء - والولاء المطلق لأهل البيت (ع)
إنها والدة البطل قمر بني هاشم العباس، لكنها أيضًا أمٌّ للإمام حسين عليه السلام ، وأمٌّ لكل من اختار طريق كربلاء.
رضوان الله عليها، وجعلنا الله من المقتدين بسيرتها الزكية. وحشرنا في زمرتها. والحمد لله رب العالمين




