بعض الكلمات والشعارات والعبارات التي نسمعها أو نقرأها، والصادرة من بعضهم، قد تنم بعضُها عن التودد للناس، أو تنم بعضُها عن التبلد في الحس والغرور والاندفاع نحو التصادم عند بعض البشر. نفكر أحيانًا: ما هو منطلق ومبرر هذا الصنف أو ذاك من العبارات الجميلة أو السيئة؟ أهي جذورُ التربية، أو مركز النفوذ والسطوة، أو الذكاء/ الغباء العاطفي، أو سمات شخصية معينة متوارثة من المحيط، أو ردة أفعال في زمن ما، أو نتاج التعرض لغسيل دماغ رقمي، أو صيحة سلوكية مروجة في العالم الافتراضي!
في بعض المحافل، نسمع بعضهم، وبكل جرأة، يقول جملًا مثل:
”أنا مزاجي كذا.. هو أنت شريكي!“؛
”أنا اللي في قلبي على لساني ولا أطق خبر لأحد!“؛
”أنا صريح ما أعرف أجامل أحد“؛
وعبارة: ”أنا طبعي كذا ولن أتغير“ إلخ.
عبارات مثل تلك نسمعها ونقرأها بدافع الموضوعية عند صدورها من فتى/فتاة مراهق/مراهقة، ونعتبرها جرأة بحماقة أو سماجة عابرة لمراهق، فنعقلها ونعيد التدقيق فيها، ونغفر لقائلها إن اعتذر ولم يرجعْ لمثلها من الأقوال. أما إذا صدرت مثل تلك العبارات من رجل بالغ وناضج، أو أب ورب أسرة، أو امرأة ذات بعل وأولاد، أو جار بالغ، أو مدير ذو سلطة، فإنها عيارات ليس بها صراحة، بل وقاحة، وتنم عن إعلان عجز كامل عن تهذيب النفس وتطويعها وتطويرها، ومراعاة شعور المحيط، وسوء انتقاء الألفاظ.
الإنسان العاقل والرزين والسوي يتطور ويتكيف ويتغير، وينمو، ويعيد تشكيل طباعه وانتقاء ألفاظه نحو الأرقى والأسمى والأفضل والمحبب للنفوس. ونهيب بأي فرد في المجتمع أن يتبنى ذلك.
فيا من تمجد في نفسك، وتعتد بعباراتك، وتتمخطر بصورك، وتسعى لفرض شخصك على الآخرين، خف علينا وتواضع قليلًا، ولا تفتخر بوقاحتك وصلافتك، وتكشف لنا عن حقيقة معدنك، وقلة ورعك، وبذاءة لسانك، وضحالة ذكائك الاجتماعي؛ فإن كثرة الاستعداء للآخرين تبدد أقوى القوى.
قد نُقيل ونعذر من تعرض لظلم أو تنمر في التعبير عن ذاته من باب:
﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 148].
ومن شيم أهل المروءة الوقوف مع المظلوم بالقدر المتاح والممكن، والانفصال عن الظالم وأفعاله.
مجالس ليالي الشتاء على الأبواب، حيث السمر والتحلق حول أجهزة التدفئة، وتناول أطراف الأحاديث مع الأخلاء والأصدقاء والجيران والإخوة. ونتذكر من تجارب مسموعة ومنقولة، كم من مجلس وديوانية ولقاءات أسرية انفضت بسبب كلام غير موزون وعبارات غير لبقة صدرت من إنسان غير متزن، بعنوان أنه صريح/ جريء/ ما يطق خبر أحد. والأجدر أن يتعلم الإنسان قبل ذهابه لأي مجلس/ ديوانية/ رحلة: متى يسأل، وكيف يتحدث، وأي العبارات يختار، لينجح لقاؤه بالآخرين، ويكسب ثقتهم، ويحد من تدخله في شؤونهم الخاصة.




