ينقل جوهرة المنابر الأخلاقية سماحة الشيخ حبيب الكاظمي دام عطاؤه جواب أحد جلسائه الذي يقيم في دولة أوروبية جوابا على سؤال الشيخ عن تأثير وجود النساء السافرات في كل مكان هناك .. أجابه ذلك الرجل الصالح لقد تجاوزنا هذه المرحلة قاصداً أنه خرج من سلطة الجسم إلى سلطة العقل الديني. وهذا هو الطبيعي لتكامل الإنسان في معارج القرب من الله تبارك وتعالى.
في درسه التفسيري نقل العلامة الحجة الفقيه السيد المنير دام ظله رأي أستاذ الحوزة العلمية والمراجع والفقهاء الإمام السيد أبو القاسم الخوئي رضوان الله عليه وقدس سره الشريف عن قوله تبارك وتعالى: " اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)" (سورة الحديد) الذي ملخصه (مع نقل بعض عباراته دام ظله) أن هذه الآية تقرر مراحل الحياة الدنيا بالنسبة للإنسان (1):
- المرحلة الأولى .. السبعة السنوات الأولى " لَعِبٌ"
- المرحلة الثانية .. السبعة السنوات الثانية " وَلَهْوٌ" سمتها تقديم الأشياء الثانوية على الأشياء الأولوية.
- المرحلة الثالثة .. السبعة السنوات الثالثة " وَزِينَةٌ" وهي مرحلة المراهقة.
- المرحلة الرابعة .. السبعة السنوات الرابعة " وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ" وهي المرحلة التي يفكر الإنسان فيها أنه خاض تجربة -قد تستوعب عشرة سنوات عند البعض والبعض عشرين سنة .. كل بحسبه- يبدأ بالتفاخر بتجربته "انا عندي شهادة دكتوراة .. أنا عندي شهادة ماجستير .. أنا أمامك دكتور .. إلخ-. وهذه مرحلة عمرية ضرورية يمر بها الإنسان.
- المرحلة الرابعة .. السبعة السنوات الخامسة " وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ" .. هنا نظرية تسمى "مظرية امتداد الوجود" والتي يطرحها بعض علماء النفس مفادها أن الإنسان عندما يتجاوز الأربعين يشعر أن خطر الموت بدأ يعطي مؤشرات أكثر من قبل فقبلاً كان يقول أنا لازلت في عمر الشباب ولكن بعد الأربعين يبدأ حديث الموت يأتي " اوه ما بقى شيء الي راح أكثر من الي بقي .. ايش أسوي؟" لأنه يفكر في الموت تأتيه فكرة الإمتداد في الوجودي لما بعد الموت "أنا لا أريد وجودي ينتهي مع الموت بل أريد لوجودي أن يبقى حتى بعد الموت" فنظرية الامتداد في الوجود تعني " وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ" لأنه يرى أولاده امتداداً لوجوده فلذلك يهتم بالأولاد في هذه المرحلة لأنهم امتداد لوجوده والأموال يبني بها كيان باسمه المهم أن يبقى اسمه موجود.
فإذاً الآية لا تهدف إلى ذم الدنيا كما نحن نفهمها , الآية تتحدث عن مراحل طبيعية يمر بها كل إنسان.
فمن الطبيعي أن ينتقل الإنسان من مرحلة إلى مرحلة والأهم أن ينتقل من مرحلة الزهو واللذائذ إلى مرحلة الرشد "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)" (سورة الأحقاف) إلا أن الزمن الذي نعيشه غرقاً في أوحال المادة تسبب في تعرقل الكثير من القيم الإنسانية والدينية فأصبح الأغلب همه نفسه سواء لذة أو غيرها. لذلك نجد أن الإنسان في هذه العصر لا زال حبيس لذته فهو يخرج من لذة إلى لذة حتى يفاجئه الموت .. لأن الاسترسال صرعة خصوصاً إذا كان الداعي هي الشهوات.
فمتى نستيقظ؟
فهل أنا لازلت حبيس جسمي المادي ولم ألتفت للجانب السامي في كياني ألا وهو العقل والروح لأسمو بهذين الجناحين إلى مصاف الصالحين ثم إلى مصاف الأولياء ثم أدنوا ودنوا لعلني أكون على أعتاب أصفياء المعصومين ثم أنال المنى بالوقوف على باب المعصوم لأفوز بعدها بالدخول لحضرته على أشفار العيون؟
أم أن هذا ليس هدفاً سامياً خلقنا له .. "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)" (سورة الذاريات)
فما الحل؟
"إنّ البعض لا يكاد يبالي بالمستحبات الواردة في الشريعة، وكأنها أمور هامشية لا ترتبط بحركة الحياة، والحال أن هذه الأعمال دخيلة في تصفية الذات، من خلال التوجه إلى مصدر كل فيض في الوجود، وحملها على مخالفة الشهوة التي لا تنتهي عند حد، وبالتالي شحذ عنصر الإرادة، ذلك العنصر الذي بفقدانه فقد الكثيرون سيطرتهم على زمام أمورهم، فأوقعهم -رغما عنهم- في دوامات من التيه والتخبط"
...
هامش
1. رأي السيد الخوئي قدس سره الشريف – السيد منير الخباز دام ظله
https://youtube.com/watch?v=K2OfiUkYRuk&si=Kwt2Z86xup3dY--N
2. شبكة السراج في الطريق إلى الله
https://alseraj.net/




