نزلة البرد عند الأطفال… ما الذي يفيد حقًا وما الذي يجب تجنّبه
الزكام (نزلة البرد الشائعة) هو عدوى فيروسية حادّة تصيب الجهاز التنفسي العلوي، وتكون فيها أعراض سيلان الأنف وانسداده هي الأبرز. وغالبًا ما تكون الأعراض العامة مثل الصداع، وآلام العضلات، والحمّى غائبة أو خفيفة.
السبب (ETIOLOGY):
أشيع العوامل المسبِّبة للزكام هي أكثر من 200 نمط من فيروسات الأنف البشرية (Human Rhinoviruses)، إلا أنّ المتلازمة قد تنجم عن عائلات فيروسية متعددة. وترتبط فيروسات الأنف البشرية بأكثر من 50% من حالات الزكام لدى البالغين والأطفال.
وفي الأطفال الصغار، تشمل الأسباب الفيروسية الأخرى: الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)، والفيروس الميتابينوموي البشري (MPV)، وفيروسات نظير الإنفلونزا (PIVs)، وفيروسات كورونا الموسمية، والفيروسات الغدية. كما قد تُسبّب فيروسات الإنفلونزا والانتيروفيروسات غير شلل الأطفال أعراضًا مشابهة للزكام. والعديد من الفيروسات المسببة لالتهاب الأنف قد تترافق أيضًا مع أعراض أخرى مثل السعال، والأزيز، والحمّى.
الوبائيات (EPIDEMIOLOGY):
الطفل الطبيعي قد يُصاب بـ 6 إلى 8 نزلات برد في السنة الأولى من حياته — وهذا طبيعي، وليس ضعف مناعي طالما النمو والتغذية طبيعية.
تحدث نزلات البرد على مدار العام، إلا أنّ معدل حدوثها يكون أعلى من بداية الخريف حتى أواخر الربيع، تبعًا للانتشار الموسمي للعوامل الفيروسية.
يصاب الأطفال الصغار بمعدل 6–8 نزلات برد سنويًا، بينما يُصاب 10–15% منهم بما لا يقل عن 12 إصابة سنويًا. ويقل معدل الإصابة مع التقدّم في العمر ليصل إلى 2–3 مرات سنويًا في مرحلة البلوغ. ويعتمد حدوث العدوى أساسًا على درجة التعرّض للفيروس.
الأطفال الملتحقون بدور الحضانة خارج المنزل خلال السنة الأولى من العمر يتعرّضون لنزلات برد أكثر بنسبة 50% مقارنةً بمن يُرعون في المنزل فقط. ومع زيادة مدة الالتحاق بالحضانة، يتناقص الفرق بين المجموعتين، بل إن كثيرًا من أطفال الحضانة قد تكون لديهم عدوى فيروسية دون أعراض. ومع ذلك، يبقى معدل المرض أعلى لدى أطفال الحضانة خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر. وعند بدء المرحلة الابتدائية، يُصاب الأطفال الذين التحقوا بالحضانة سابقًا بنزلات برد أقل تكرارًا مقارنةً بغيرهم.
المظاهر السريرية (CLINICAL MANIFESTATIONS):
تختلف أعراض الزكام باختلاف العمر ونوع الفيروس. ففي الرُّضّع قد تَغلِب الحُمّى وإفرازات الأنف، بينما تكون الحُمّى غير شائعة لدى الأطفال الأكبر سنًا والبالغين. ويبدأ ظهور أعراض الزكام عادةً بعد 1–3 أيام من الإصابة الفيروسية. وغالبًا ما يكون أول عرض هو التهاب أو خشونة الحلق، يتبعه سريعًا انسداد الأنف وسيلانه. ويزول التهاب الحلق عادةً بسرعة، ومع اليومين الثاني والثالث تسود الأعراض الأنفية.
يرتبط السعال بنحو ثلثي حالات الزكام لدى الأطفال، وغالبًا ما يبدأ بعد ظهور الأعراض الأنفية، وقد يستمر 1–2 أسبوع إضافيين بعد زوال بقية الأعراض. وترتبط فيروسات الإنفلونزا وRSV وMPV والفيروسات الغدية بحدوث الحُمّى والأعراض العامة أكثر من فيروسات الأنف أو فيروسات كورونا، في حين يرتبط فيروس الأنف البشري على نحوٍ أكثر شيوعًا بحدوث الأزيز، خاصةً لدى الأطفال الأكبر سنًا.
وقد تشمل أعراض أخرى الصداع، وبُحّة الصوت، والتهيّج، وصعوبة النوم، أو نقص الشهية. أمّا القيء والإسهال فهما غير شائعين. وتستمر نزلة البرد المعتادة قرابة أسبوع واحد، مع أنّ 10% من الحالات قد تستمر لمدة تصل إلى أسبوعين.
العلامات السريرية بالفحص:
تقتصر الموجودات السريرية عادةً على الجهاز التنفسي العلوي. ويكون ازدياد إفرازات الأنف واضحًا غالبًا، كما أن تغيّر لون الإفرازات أو قوامها أثناء سير المرض أمر شائع ولا يدلّ على التهاب جيوب أنفية أو عدوى بكتيرية ثانوية، بل قد يعكس تراكم الخلايا عديدة النوى. كما يُعدّ اضطراب ضغط الأذن الوسطى شائعًا أثناء نزلات البرد. وقد يُلاحظ أيضًا تضخّم العقد اللمفاوية الرقبية الأمامية أو احتقان الملتحمة.
التشخيص (DIAGNOSIS):
تتمثّل المهمة الأهم للطبيب في استبعاد الحالات الأخرى الأكثر خطورة أو القابلة للعلاج. ويشمل التشخيص التفريقي للزكام اضطرابات غير إنتانية وعدوى أخرى في الجهاز التنفسي العلوي.
الاختبارات المخبرية (LABORATORY FINDINGS):
لا تُفيد الفحوصات المخبرية الروتينية في تشخيص أو علاج الزكام. إن غلبة الخلايا عديدة النوى في إفرازات الأنف تُعدّ سمةً للزكام غير المعقّد ولا تشير إلى عدوى بكتيرية ثانوية. كما أن التغيّرات الشعاعية المؤقتة في الجيوب الأنفية شائعة أثناء نزلات البرد غير المعقّدة، ولا يُنصَح بإجراء التصوير لمعظم الأطفال المصابين بالتهاب أنف بسيط.
يمكن كشف الفيروسات المسببة للزكام بتقنيات مثل PCR أو الزرع أو كشف المستضدات أو الاختبارات المصلية، إلا أن هذه الفحوصات لا تُجرى عادةً، إذ لا تكون مفيدة إلا عند التفكير بعلاج مضاد فيروسي محدّد، كما في حالات الإنفلونزا. وتُفيد الفحوصات الجرثومية فقط عند الاشتباه بالمكورات العقدية المجموعة A أو السعال الديكي. كما أن عزل جراثيم من مسحات البلعوم الأنفي لا يعني بالضرورة وجود عدوى أنفية بكتيرية ولا يُعدّ مؤشرًا نوعيًا لسبب التهاب الجيوب الأنفية.
دليل الأهل الهادئ لنزلة البرد: ماذا نفعل ومتى نطمئن؟
العلاج (TREATMENT):
يعتمد علاج نزلة البرد أساسًا على العلاج الداعم وتقديم الإرشادات الاستباقية للأهل.
العلاج المضاد للفيروسات:
لا يتوفر علاج مضاد فيروسات نوعي لعدوى فيروسات الأنف البشرية. وقد تُقلّل مثبّطات النيورامينيداز مثل أوسيلتاميفير وزاناميفير وبيراميفير، وكذلك مثبّط إنزيم البوليميراز بالوكسافير ماربوكسيل، مدة الأعراض بشكل محدود في حالات الإنفلونزا لدى الأطفال. إلا أن صعوبة التمييز بين الإنفلونزا وغيرها من مسببات الزكام، وضرورة بدء العلاج خلال 48 ساعة من بدء الأعراض لتحقيق الفائدة، يحدّان من استخدام هذه الأدوية في حالات عدوى الجهاز التنفسي العلوي الخفيفة.
ولا فائدة من المضادات الحيوية في علاج نزلة البرد، ويجب تجنّب استخدامها للحد من الآثار الجانبية المحتملة ومنع تطوّر مقاومة الجراثيم للمضادات
العلاج الداعم والعلاج العرضي (Supportive Care and Symptomatic Treatment):
يُنصَح كثيرًا باتباع التدابير الداعمة من قِبل مقدّمي الرعاية الصحية. ويساعد الحفاظ على ترطيب فموي كافٍ في الوقاية من الجفاف، كما يُسهم في تمييع الإفرازات وتهدئة الغشاء المخاطي للجهاز التنفسي. ويُعدّ تناول السوائل الدافئة من العلاجات المنزلية الشائعة، إذ قد يهدّئ الأغشية المخاطية، ويزيد تدفّق مخاط الأنف، أو يُليّن الإفرازات التنفسية.




