ما أجمل أن نبدأ كل يوم من أيام حياتنا بروحٍ متسامحة، معطاءة، متفائلة بمن سيجعلهم القدر يمرون في طرقنا، وما أجمل أن يترنم لساننا بالدعوات الصادقة لنا ولأحبتنا، وجيراننا، وأصدقائنا، وكل من نتعامل معهم أو لا نتعامل معهم. والأجمل من ذلك كله أن نمتلك هذه الروح المتسامحة، وأن نقدرها ونتبناها بالرعاية والسمو عامًا بعد عام وحتى مماتنا.
يُعد التسامح قيمة متجذرة في نفوس المجتمعات العربية، التي عاشت عبر تاريخها الطويل كمزيج متجانس من الثقافات والأديان والأعراق المتنوعة. وقد كان التنوع الثقافي الذي ميّز المنطقة العربية أساسًا لقوة المجتمع وتماسكه، فكل اختلاف يُضفي عمقًا ومعرفةً على النسيج الاجتماعي، ويعزز ثقافة التعايش السلمي. في ظل الظروف الماضية والراهنة، تتزايد الحاجة لتفعيل هذه القيم النبيلة، التي هي إرث أجدادنا، وتبنيها كأسلوب حياة يعزز المحبة والتفاهم بين الناس.
التسامح لا يعني فقط قبول الآخر، بل يعني كذلك احترام حقوقه ومعتقداته واحتضانه في المجتمع بروحٍ منفتحة. نحن بحاجة اليوم في العالم العربي إلى أن نرسّخ ثقافة الحوار ونبذ العنف، خاصةً في ظل الصراعات التي ألمّت بعدد من الدول وأثرت على الأجيال والأوطان. فالتسامح هو السبيل للتخفيف من هذه النزاعات، وهو أساسٌ لحياة مليئة بالأمل والاستقرار.
ألا تتفقون معي بأن الرسالة التي تفتحونها في "السناب شات" أو "الواتس آب" ويكون محتواها (اللهم احفظ قارئ هذه الكلمات)، أو (اللهم اقضِ له حاجاته)، تكون من أسعد الرسائل التي تقرأونها وستقرأونها، إذ تحمل في طياتها مزيجًا من الصفاء والإخاء، يجبركم على أن تتعاملوا معها وكأنها كنز قد وُهب إليكم، أو حظّ صُوِّب نحوكم، أو غصن من أغصان الرحمة أبى ألا يتجاوزكم فتنحني عليكم بوارف ما يحمله من خير وحنان.
على الصعيد العالمي، يتزامن هذا الهدف مع الاحتفال بيوم التسامح العالمي في 16 نوفمبر من كل عام، الذي تبنته منظمة اليونسكو بهدف تعزيز روح التفاهم بين الثقافات المختلفة حول العالم. إن المجتمع العالمي بحاجة إلى تعزيز هذه القيمة، فالتحديات التي تواجه البشرية من نزاعاتٍ وأزمات تتطلب تعاونًا دوليًا يقوم على التسامح ويهدف إلى إحلال السلام.
نعم، السلام الذي تنشده كل الأرواح، المتدينة وغير المتدينة، الطيبة وحتى الشريرة، فما من أحدٍ تعجبه الحروب والدمار، وما من أحدٍ لا يتوق إلى الاستقرار والعيش بهدوء وأمان.
وفي هذه المناسبة، نرفع أمنياتنا بأن تعمّ ثقافة التسامح كل المجتمعات، وأن تنتهي الحروب والنزاعات، خاصة في الدول العربية التي تتوق إلى الأمان والاستقرار. لعلّ التسامح يكون بوابتنا إلى عالم أفضل، حيث يعيش الجميع بكرامة وسلام، وحيث يصبح الاختلاف مصدرًا للتعلم لا للصراع، وللإثراء لا للتفرقة.