قال تعالى : { … وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا }{ طه الآية ١١١ } .
من صور الظلم الذي يحمله الإنسان وزرا على ظهره هو وهم الاستثناء و التفرد عن غيره ، فيعتقد أن هذه الخطوات و المراحل التي يقطعها ستوصله إلى نتيجة مختلفة عما وصل إليه غيره ، و الحقيقة أن الحفرة في الشارع سيسقط فيها كل من وصل إليها بغض النظر عن تفاصيل شخصيته ، و سيكون الشخص التالي ضحية وهمه المعرفي بأنه أذكى من غيره و سيأتي بنتيجة مخالفة لنفس الطريقة و العمل الذي سار عليه الآخرون ، فالعوامل المؤدية إلى رذيلة أخلاقية كالكذب و الخيانة - مثلا - لها مسارها في ابتعاد الفرد عن الحكمة و المصداقية و بناء جسور الثقة و التحوّل إلى الروح الانتهازية ، و ممارسة الإنسان لها يدل على عدم استيعابه لتجارب الآخرين و النتائج التي وصلوا إليها ، فهذه الحياة تقدّم لنا من خلال التاريخ البشري نماذج متعددة مع وجود مسارات غريزية متفلّتة سلكها من قبلنا و أدّت إلى نتائج كارثية و خسارات فادحة ستصيب بالتأكيد من يسير على نفس الخُطى ، و أما المسار المتوافق مع العقل الواعي هو تحمّل مسئولية تصرفاتنا و أخذ العظة من تجارب الآخرين فتكون سيرتهم و مصائرهم موضع تحذير و انتباه فليس هناك من استثناء لأحد في النتائج مع اتحاد المعطيات ، و الإنسان الخائب يتحمّل وزر الغفلة و الجهالة و يحتطب على ظهره وزر عمى البصيرة و السير خلف الشهوات و الأهواء كما سار عليها مَن قبله ، و يحذوه في الطريق الأوهام و الظنون الخائبة و التي تتعلّق بوجود محددات شخصية ( كاريزما ) في قدراته العقلية و المهارية الخارقة ، قد تحقق له بواسطة الحِيل و المراوغات التي يتقنها من النتائج ما يغيّر مساره عمن سبقه ، و النتيجة هي أن الخيبة قد لحقته و بقوة بسبب الكم الهائل من النماذج البشرية التي يقدّمها له التاريخ عبر مراحله الزمنية المتعاقبة ، و لكن لا جدوى من الخطاب و التوجيه لمن أصيب بالعمى المعرفي و السلوكي و وقع ضحية لأمانيه الفارغة .
الخيبة الكبرى لا تتشكّل دفعة واحدة و ليست بقرار مفاجيء أو خطوة أحادية حكم الفرد على نفسه بعدها بالتدمير ، بل هي مسألة تراكم سلبي من الغفلة و عدم محاسبة النفس و قراءة ذاته و الواقع و الاطلاع الناضج على التجارب الإنسانية ، مع ما يصاحبه من رذيلة أخلاقية و نفسية تتعلّق بالتزمّت و عدم الاعتراف بالخطأ بل و الاتجاه نحو أسلوب إبداء الأعذار الواهية و التبريرات غير المنطقية لأفعاله ، و هكذا في كل خطوة و فكرة يقدم عليها تمثّل واقعا يوضع على ميزان التقييم ، و الذي قد يتجه به نحو التألق و تصحيح الأخطاء و الاستفادة من التجارب كمن يحمل معه قبس نور و هدى يسير به في دروب الحياة ، و آه ثم آه ممن حمل ظلما لنفسه بجهله و غفلته و غروره و عدم محاسبة نفسه ليتشكّل أمامه ركام الخيبة الكبرى في نهاية المطاف ، و هذه الخيبة تتمثّل في كل موقف و قرار خاطيء و كلمة غير مدروسة و تعدّ على حقوق الآخرين و ممارسات غير أخلاقية لم تتعظ النفس من نتائج الخسارة التي أصابت غيره ، فقد تحمّل ظلم نفسه و تدنيس فطرته السليمة و طمس هوية الوعي و النظر في العواقب عن ضميره ، و ما جرّأه على التمادي في خيبته هو تبلّد وجدانه الذي يخاف من العقوبات اللحظية بينما أصابه العمى من رؤية مستقبلية رسمتها البصائر القرآنية عن العقوبة الكبرى في يوم القيامة .