وهل للحب طاقة؟
سؤال طالما تردّد على ألسنة العاشقين والباحثين معًا. فإذا كانت الطاقات في الكون هي المحرك الخفي للحياة، فالحب – بلا شك – أحد أعظم تلك الطاقات وأرقاها.
يقول الناس عبر أثير الحياة ومن عصفت بهم رياح الحب والعلم معا بأن الطاقة تلك هي القوة المؤثرة والمحركة والفاعلة معا للجسم والروح البشري وهي الدافع والإثارة والغريزة والشهوة والانفعالات وردود الأفعال لكل منبهات الحياة المادية والحسية.
الحب ليس شعورًا عابرًا ولا انفعالًا لحظيًا؛ بل هو قوة كامنة، تتدفق في مسارات الروح والجسد كما تتدفق الدماء في العروق. هو الشرارة التي توقظ القلب، والدفء الذي يغمر الأرواح، والنسيم الذي يحرك مشاعرنا نحو الآخر، إنسانًا كان أو شيئًا أو حتى فكرة.
لقد وصفت الحضارات القديمة الحب بصفته طاقة تسري في الإنسان، فإذا انسدّت مساراتها ذوى الكائن وخبا نوره، وقد يموت روحًا قبل أن يموت جسدًا. فهي ليست كأزرار تُشغَّل وتُطفَأ كما في المولدات، بل هي حياة خفية لا تُرى بالعين، لكنها تحيط بنا وتدفعنا وتوجّه مسارنا.
والحب، حين يتجسّد فينا، يفيض على من حولنا بدفء وحنان، فيسري في تفاصيل الأشياء كما يسري الضوء في أفق الفجر. وما أن نحب، يصعب علينا أن نكره، إلا إذا ارتكب المحبوب ما يستدعي رد فعل معاكِسًا يوقف ذلك التدفق العذب من الطاقة. وهنا يظهر وجه آخر من مسؤولية الحب: مسؤولية المحبوب في صون ما أُفيض عليه من عاطفة، قبل أن يُطفئها.
وقد تناول الفلاسفة الحب بتصنيفات مختلفة، رأوا فيها دوائر طاقة تتوزع في الكون:
- عند (إيروس) هو نار العاطفة والرغبة التي تشتعل بالانجذاب الجسدي والجمالي.
- عند (فيليا) هو الصداقة الصافية والإخاء القائم على المشاركة والوفاء.
- أما (ستروج) فرأى الحب في صورة العائلة، حبّ الوالدين للأبناء، وما فيه من حنان وثبات.
- ثم جاء (أغابي) ليصف أسمى صورة للحب: حبًّا غير مشروط، يتجلّى في التضحية والرحمة، كما في حب الأم أو حب الإنسانية جمعاء.
وهكذا، فإن طاقات الحب تتوزع بقدر قرب الأشياء أو الأشخاص من قلوبنا. فما يكون عندي في الصدارة قد يكون عند غيري في المؤخرة، ولا ترتيب حتميًا في ذلك؛ بل هو نسبي يتأرجح مع عمق التجربة ودرجة القرب.
إنه ليس كتدفق الطاقة في المصانع: كلما كان المصدر أقوى، اندفع التيار أعظم. بل هو كالسهم في قربه من القوس، كلما كان المحبوب أقرب إلى جوهرنا واهتماماتنا، نال من طاقات حبّنا نصيبًا أكبر. يبدأ ذلك بحب الله، ثم حب الوالدين، فالأبناء والأهل، ويمتد حتى لأبسط التفاصيل: القلم الذي نكتب به، والكوب الذي نشرب منه كل صباح.
فالطاقة التي تُدعى "الحب" ليست حكرًا على العواطف الكبرى وحدها، بل هي شعاع يتوزع على كل تفاصيل الحياة، صغيرها وكبيرها، لتبقى أرواحنا نابضة بالدفء، وقلوبنا عامرة بالرحمة.