المظاهر و المناسبات الاجتماعية تحوي بين طياتها غايات تقوية روابط الاحترام و المحبة و الاهتمام بمضامينها ، و تنقلب الصورة عندما نفقد الجوهر و نخوض في شكليات و قشور ننشغل بها كثيرا حتى تتحول إلى مجرد مظاهر معتادة ، و نبتعد كثيرا عن الواقع حينما نفكر مليا بالبرواز الخارجي لتلك المظاهر بينما يغيب عن وعينا منظومة القيم الاجتماعية فضلا عن العمل على تقويتها و تنميتها ، كيف و نحن نضع في أولوياتنا و قائمة اهتمامنا صورة و مشهدية زائفة لا نرى فيها مضمونا يستحق التعرف عليه و تجسيده ، فأضحت بعض تلك الاجتماعات أشبه بالفقاعات الإعلامية التي تتصدر مواقع التواصل و مقاطع التصوير المرئية ، مع ابتعاد عن المحتوى الحقيقي لها بما تحمله من روح الألفة و تبادل الأحاديث و روح التواصل ، فالتوثيق و التصوير وسيلة لحفظ الذكريات الجميلة و تثير ما يحمله كل إنسان من مشاعر في كل مناسبة ، و لكن الواقع المؤسف هو غياب الاهتمام بالمحتوى و تحول المناسبة إلى بهرجة و انبهار و مجرد حضور دون وجود بصمة وجدانية .
الحضور في مناسبات الوفيات تحقيق لحالة المواساة و تقديم آيات العزاء و مشاطرتهم في حزنهم ، مع ما يقدّمه الفرد لنفسه من عظة و عبرة و تذكير بسبيله و مصيره في هذه الحياة المختتم بالرحيل ، و لهذه المناسبة إطارها و آدابها الدالة على فهم واقعها ، و لكن ما يصاحبها من البعض و تحويلها إلى فرصة لتبادل الأحاديث يبعدنا كثيرا عن محتواها و الدروس المستفادة منها ، و المؤلم جدا هو أن الراحل عن دنيانا لم يسعف الوقت البعض لمصالحته و قطع حالة الخصام و الخلاف معه ، دون أن يكون ذلك رادعا للبعض من توريث القطيعة إلى الأبناء و ما بعدهم !!
و الصدق و الإخلاص في التعامل مع الآخرين لا يعني بروز الصلافة و التجاهل و تكشير أسنان العداوة مع البعض بدعوى عدم القدرة على النفاق و التلون الاجتماعي ، إذ يقدم لنا المنهج الأخلاقي مفردة المجاملة الجميلة و هي اغتنام الأوقات و الفرص التي يذوب فيها جليد برود المشاعر و هشاشة العلاقات ، و فتح الباب لاستعادة العلاقات الأسرية و الاجتماعية شيئا من تماسكها و تقويتها و إغلاق باب الخلافات المتصاعدة ، و هذا يختلف تماما عن المجاملات المقيتة و هي حالة الكذب في المشاعر و الأحاديث و خلق واقع مخالف للحقيقة تماما كما يفعل المتصنّع و المنافق الأفّاك ( تجميل الذات ) ، فإصلاح العلاقات لا يختلف عن إصلاح أي شيء به ثقوب أو تمزّق ، يحتاج إلى جهد و مبادرة تجنبنا الضغوط النفسية و الاحتراب الاجتماعي ، فالنفوس المتسامحة تصنع واقعا يبعث على الأمل و الروح الإيجابية و يركز الأذهان على الأهداف الحياتية بعيدا عن الانشغال بالأمور الهامشية المعيقة .