الإيمان في جوهره ليس مجرّد كلمات تُقال، أو طقوس تُمارس، بل هو حالة روحية وسلوكية تنعكس على الإنسان في كل أقواله وأفعاله. ومن أبرز علامات الإيمان الصادق: الصدق في الحديث، وترك الكذب بجميع صوره.
جاء في الحديث الشريف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سُئل:
– "أيكون المؤمن جبانًا؟"
قال: "قد يكون."
– "أيكون بخيلًا؟"
قال: "قد يكون."
– "أيكون كذّابًا؟"
قال: "لا."
هذا النفي الصريح يدل على أن الكذب يناقض الإيمان تمامًا، ولا يجتمع معه أبدًا.
وفي القرآن الكريم، يقول تعالى في سورة النحل (آية 105):
"إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون."
أما أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقد شدد على هذا المعنى حين قال:
"لا يجد العبدُ طَعمَ الإيمان حتى يترك الكذب في جده وهزله."
وقال أيضًا:
"الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك، على الكذب حيث ينفعك."
وهذا يعني أن الصدق مبدأ ثابت، لا يتغير بحسب المصلحة، ولا يتلون مع الظروف.
المؤمن الحقيقي لا يتبع هوى نفسه ولا يتنازل عن صدقه ليكسب رضا الناس أو منفعة مؤقتة، بل يجعل الصدق عنوانه، ولو خسر من ورائه شيئًا من الدنيا.
نعم، للإيمان مراتب*، منه العالي ومنه المتوسط ومنه الأدنى،
لكن حتى أدنى مراتبه يجب أن *تحفظ الإنسان من الوقوع في الكذب عمدًا أو عادة.
فالإيمان، حتى وإن ضعف، يبقى منسجمًا مع إرادة الله، ورافضًا للكذب، والرياء، والنفاق، وكل ما يُخالف صفاء النفس وصدق السلوك.
وقد يُقال: إذا كان المؤمن لا يكذب أبدًا، فما الفرق بينه وبين المعصوم؟
والجواب أن الفرق ليس في ترك المعصية فقط، بل في أمور أخرى، منها:
1. أن *المعصوم لا يخطئ أبدًا بعلمه*، بينما المؤمن معرض لذلك.
2. أن *المعصوم معصوم ذاتًا*، والمؤمن محفوظ بالتقوى والإيمان، وقد يزلّ.
3. أن *الإيمان قابل للزيادة والنقصان*، بينما العصمة ثابتة لا تزول.
4. أن بعض العلماء يرون أن العمل جزء من الإيمان، بينما يرى آخرون أن الإيمان صفة نفسية مستقلة.
في كل الأحوال، يبقى الكذب من أوضح علامات الضعف الإيماني، ولا يليق بمن ينتسب إلى الله ودينه أن يجعل لسانه معتادًا عليه، حتى في المزاح.
فلنحرص على صدق اللسان، وصدق النية، وصدق العمل،
فـ "الصدق ينجي والكذب يهلك"،
وما من طريق إلى الله إلا وقد فُرش بالصدق أولًا.