في زحمة الحياة، وانشغال الناس بشؤونهم، تراجعت بعض القيم التي كانت تُشكّل أساس التعايش الإنساني، ومن أهمها: حق الجار.
فلم يعد غريبًا أن ترى خلافات تنشب بين جيران بسبب موقف سيارة، أو ضجيج طفل، أو صوت مناسب، أو حتى رائحة طعام!
أسباب بسيطة… لكن حين تغيب الأخلاق، تتحول إلى شرارة خلاف، وخصام دائم، وقطيعة مؤذية للطرفين.
الإسلام لم يغفل عن هذه التفاصيل، بل جعل حسن الجوار من تمام الإيمان*، فقال رسول الله (ص):
"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع، وهو يعلم"
وقال (ص):
"من آذى جاره حرّم الله عليه ريح الجنة".
فإذا كانت أذية الجار تُسلب الإنسانَ ريح الجنة، فكيف بمن يسبّه أو يخاصمه أو يضيّق عليه؟
نعم، من حقك أن توقف سيارتك، لكن ليس من حقك أن تتعدّى على موقف جارك.
من حقك أن تحتفل، لكن ليس على حساب راحة غيرك.
من حقك أن تعيش كما تشاء، لكن ما دمت تعيش بين الناس، فعليك أن تراعيهم.
حقوق الجار في الإسلام ليست مجرّد أدب، بل فريضة دينية واجتماعية، وقد جمعها الإمام زين العابدين (ع) في دعائه الشهير، ومن أهمها:
- عدم إيذائه بأي شكل.
- عيادته إذا مرض، ومواساته إذا ابتُلي.
- نصحه إذا استشارك، وستره إذا رأيت عيبًا منه.
- أن تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه. - وأن تكون عونًا له في حاجاته وظروفه.
بل الأعظم من ذلك، أن تصبر على أذاه إن أخطأ، وأن تبادر أنت بالإصلاح، لأن الصلة بالجار لا تُبنى على ردّات الفعل، بل على تقوى القلب.
الخلاف بين الجيران ليس عيبًا، لكنه يتحوّل إلى مأساة، حين نفتقد الأخلاق التي تُعالجه،
فبعض الخصومات تبدأ بكلمة، وتنتهي في أروقة المحاكم!
وما ذلك إلا لغياب مفهوم *حق الجار*، وسقوطه من سلّم أولويات الناس.
فلنتذكّر دائمًا:
أن الجار ليس فقط مَن بجوار بيتك، بل هو جزء من اختبارك الأخلاقي اليومي،
والجار الطيب لا يُكافَأ فقط بالكلام، بل بحُسن المعاملة، والتغافل، والمساندة وقت الحاجة.
حافظ على جارك… فإنك لا تدري من الأقرب لك يومًا من الأيام: أخوك أم جارك.
لاشك ولا ريب أن جارك أقرب
الك من أخوك.
✍️