النفاق هو التعامل بوجهين، ويُعدّ من أسوأ الصفات التي تفتك بالمجتمع وتفرّغ العلاقات من صدقها وأصالتها.
وإن كانت صور النفاق لا تُحدّ تحديدًا مطلقًا، فإن أبرز ملامحه الاجتماعية تتمثل في الازدواجية والخداع، وهذا النمط من السلوك يُخالف جوهر المداراة التي دعا إليها الدين، فالدين يُقرّ الحكمة في التعامل، لا الكذب ولا المكر.
وقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
"ذو الوجهين لا يكون وجيها عند الله"*،
وبيّن الإمام الصادق (عليه السلام):
"من لقي الناس بوجهٍ، وأظهر لهم خلاف ما هو عليه، فهو منافق".
ومن خلال التأمل في الواقع، نجد أن أبرز أسباب النفاق ترجع إلى سببين رئيسيين:
السبب الأول: المصلحة،
معظم صور النفاق اليوم ناتجة عن *الجري وراء المصلحة، أيًّا كان نوعها.
فترى الشخص يلبس ثوب التديّن، يواظب على صلاة الجماعة، يلهج بذكر الله، ولكن…
في تعامله مع الناس، يغيّر وجهه بحسب الموقف والشخص والمصلحة، فإن رأى منفعة عند فلان، تقرّب إليه بوجه لطيف وكلام معسول، وإن خلا مع نفسه أو مع آخرين، انقلب عليه ذمًّا وطعنًا.
وهنا مكمن الخطر…
فهذا النوع من النفاق، يخالف الفطرة، التي فطر الله الناس عليها، والتي تميل إلى الصدق والاستقامة، لكن شدة التعلق بالمصلحة تجعل الإنسان يلقي بتعاليم الدين والفطرة وراء ظهره.
ولا يشترط أن تكون المصلحة مادية فقط، بل قد تكون معنوية أو حتى روحية – كطلب رضا شخص، أو الحصول على منصب، أو معلومة دينية – لكنها تُطلب بطرق ملتوية لا دينية، وبوسائل نفسية منحرفة.
السبب الثاني: المرض
وهذا النوع من النفاق ليس شائعًا كثيرًا، لكنه موجود عند بعض الأشخاص الذين يعانون من ،اضطراب داخلي في تكوين النفس،
فيميلون إلى الخداع والتلوّن لا إراديًا، ويشعرون براحة في إظهار خلاف ما يُبطنون، حتى لو لم تكن هناك مصلحة واضحة.
وهذا هو "داء القلب" الذي أشار إليه القرآن الكريم:
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: 10]،
وهو من أخطر الأمراض، لأن صاحبه لا يشعر بالخطر ولا يطلب العلاج.
خاتمة
إن النفاق – سواء أكان ناتجًا عن مصلحة أم عن مرض – يُعدّ من الكبائر المهلكة التي *تفسد المجتمع وتفتت الثقة بين الناس،
وقد توعّد الله المنافقين بأشدّ العذاب، فقال:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}* [النساء: 145].
فما أحوجنا إلى *صدق النيّة، ونقاء القلب، وتوحيد الوجه أمام الله والناس،
نسأل الله أن يجعلنا من الصادقين، وأن يُطهّر قلوبنا من كل نفاق، ببركة محمد وآل محمد عليهم السلام.