من المشاهد التربوية الجميلة التي يُسجّلها التاريخ الإسلامي ما فعله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)* حين كان يُشرك سبطيه الحسن والحسين (عليهما السلام) في حضوره للمسجد، ويُقحمهم في دائرة الشأن العام رغم صغر سنّهما. لم يكن ذلك مجرد حنان جدّ، بل درس عملي عميق في كيفية بناء العلاقة بين جيل الكبار والصغار، وإشراك الجيل الجديد في قلب الحياة المجتمعية والدينية منذ نعومة أظفارهم.
في الماضي القريب، كانت العلاقة بين الجيلين أكثر ترابطًا، فالصغار كانوا يعيشون في كنف الكبار، يستمعون لحكاياتهم، يحضرون مجالسهم، يشاركونهم الأحاديث اليومية، ويتعلمون من مواقفهم وتجاربهم. لم تكن هناك حواجز زمنية أو نفسية تحول دون هذا التواصل.
أما اليوم، فيبدو أن الفجوة قد اتّسعت بشكل ملحوظ. نادراً ما نرى الصغار في مجالس الكبار، أو يتفاعلون مع حواراتهم، وكأن لكل جيل عالَمه المنفصل.
فما السبب؟
من أبرز الأسباب:
1. التحوّل التكنولوجي:* سيطرة الهواتف الذكية، والألعاب الرقمية، ومواقع التواصل، خلقت فجوة في الاهتمامات واللغة بين الجيلين.
2. ضعف التواصل الأسري: انشغال الكبار بمشاغلهم اليومية، وقلة الجلوس العائلي الحقيقي، أدى إلى فقدان الحوار بين الأجيال.
3. نظرة دونية من بعض الكبار: حين يُقصي بعض الكبار آراء الصغار، أو يستهينون بتفكيرهم، يشعر الجيل الجديد بأنه غير مرحّب به في مجالسهم 4-الاستقلالية الزائدة للصغار:* التي أفرزها الإعلام الحديث، جعلت بعضهم يعتقد أن الكبار "لا يفهمون عصرهم"، وبالتالي لا حاجة لهم بالتواصل معهم.
فماذا نحتاج؟
نحن بحاجة إلى إحياء التداخل الصحي بين الجيلين*، بفتح أبواب الحديث، والاستماع الفعلي، وإشراك الأبناء في تفاصيل الحياة الأسرية والاجتماعية، وتقدير آرائهم، وتوجيههم لا تهميشهم.
كما على المؤسسات والمساجد والمجالس الدينية أن تراعي هذه الفجوة، وتعمل على جسرها، بأن تخلق مساحات مشتركة، وأن تعيد إحياء النموذج النبوي في إشراك الصغار، لا عزلهِم.
فكل جيل يحمل تجاربه، والجيل الآخر يحمل طاقته… ولو التقيا، لبُنيَت حضارات، وتعمّق الانتماء، وسادت روح الرحمة والتكامل.




