من نِعَم الله على الإنسان أن منحه القدرة على الكلام، وزوّده بإمكانية التحكم في صوته، صعودًا وهبوطًا. وهذه الإمكانية ليست عبثًا، بل خُلِقت لهدف، ولكل حالٍ من أحوال الصوت غاية صحيحة إذا وُظِّفت في موضعها السليم.
وقد سلّط القرآن الكريم الضوء على هذا الجانب التربوي في سلوك الإنسان، فجاء في وصايا لقمان لابنه:
*"واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير"*
(لقمان: 19)
إنها دعوة ربّانية إلى التحكّم في نبرة الصوت وخفضه، لأن رفع الصوت من غير حاجة يُخالف الذوق السليم، ويشوّه صورة الإنسان المهذّب.
فالتكلم بهدوء وصوت معتدل هو السلوك الطبيعي الذي يُحقق الغاية من الكلام: إيصال الفكرة بوضوح دون إزعاج.
أما رفع الصوت، فإنه غالبًا ما يكون ناتجًا عن خلل نفسي أو سلوكي، ومن أسبابه:
1. *العصبية والغضب*، حيث يفقد الإنسان توازنه، فيعلو صوته بلا وعي، وهذه حالة غير سوية.
2. *ضعف الثقة بالنفس*، فيحاول الفرد تعويضها برفع الصوت لإثبات ذاته.
3. *عدم القناعة بما يقول*، فيضطر لرفع صوته لإقناع الآخرين قهرًا لا حُجّة.
والقرآن حين يدعو إلى "غض الصوت"، فإنه لا يدعو إلى مجرد خفض نبرة الصوت فقط، بل يُشير إلى تهذيب النفس من دوافع الغلظة والحدة والانفعال.
فالصوت المهذّب يريح السمع، ويدلّ على شخصية ناضجة، بينما الصوت المرتفع بلا حاجة يُنفر الآخرين ويُظهر ضعفًا داخليًا.
إنها ثقافة قرآنية عميقة، تدعونا إلى التوازن النفسي، وإلى الحديث بالحكمة واللين، بعيدًا عن الغلظة ورفع الصوت الذي شُبّه في القرآن بأقبح الأصوات.
فلنربّي أنفسنا وأبناءنا على هذا السلوك القرآني: أن نتكلم بهدوء، وأن لا نرفع أصواتنا إلا بالحق، وبقدر الحاجة، فالصوت الهادئ عنوان العقل، ودليل الرقيّ.





التعليقات 1
1 pings
ام مهدي
2025-11-01 في 9:13 م[3] رابط التعليق
رووووعة جداً وكلام منطقي