أيها الجمعيات الخيرية والإنسانية ولعلماء الافاضل حماة الدين، يا أيها الأغنياء والموسرون، أنفقوا مما أعطاكم الله، ولا تبخلوا
على الفقراء والمساكين، ولا تمنوا عليهم إذا أنفقتم، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يا أيها الذين آمنوا لَا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}، فالمن بعد الإحسان ذهاب لثواب الإحسان؛ ولكن ما معنى المن؟
المن هو تعداد الصدفات والتذكير بها، مثلاً: جائك شخص محتاج إلى بناء مسكن وأراد منك أن تمد يد العون له فأعطيته مما أعطاك الله، وبعد مدة احتاج إلى أن يزوج ولد وحاله ضعيف وطلب منك المساعدة ومد يد العون فلا تقل له: أنا عطيتك كذا وكذا، فهذا يعتبر من المن، وإذا تجسد هذا المن إلى سلوك عملي استعلائي تحول إلى حرام وسيئات، وإذا تطور ذلك إلى الأذى فأصبح جريمة وعذاباً قاسيا،
في بعض الأحيان يكون هناك أذى بلا أي سوء سلوك وعدم دراية من فعل الشخص المحسن، بحيث أنه يقوم بفعل الإحسان دون تبصرة بالوضع العام للمقابل والظرف المحيط به في ذلك الوقت، فمثلاً يعطي مالاً لشخص يتحرج من أخذه في مكان معين أو أمام الناس أو في زمان معين أو بكيفية معينة، فيرافق
الإحسان أذى معيناً تبعاً لطبيعة الظرف والحال، فإذا كان هذا ناتجاً عن جهل فلا ضير في ذلك، أما إذا كان صادراً عن علم ودراية من عالم أو متعلم عارف بالعواقب أو عدم تحفظ مع
إمكان التحفظ كان حراماً حسب ما ذكره الفقهاء، وأيضاً يذهب بثواب العمل وإن لم يكن هناك من نظرة استعلائية من المحسن.
والشريعة الإسلامية تشجع على الإنفاق، فكل عمل مصلح يريده الله من الإنسان أن يفعله حسب استطاعته على ألا يؤذي نفسه وأهله والمحيطين به، وإلا فإن الأمر سوف يتحول من حلال إلى حرام، أو من الأولى إلى غيره، فحرمان الفقراء والضعفاء من حاجاتهم هو بخل عليهم، إذن فكرمه الزائد قد يصاحبه بخل على غيرهم ممن هم أولى به، والعطاء الأفضل ما كان وفق المعقول من مراعات الأولويات، وبما ان مسألة الحاجات مسألة
مفتوحة ومتنوعة، فإن تكليف الإنسان هنا بينه وبين الله، أي بين صدق سريرته وبين الله، والله عالم بحاجة من حوله، وكما يقولون: كل ما زاد عن حده انقلب ضده، فإنفاق المال على العيال واجب كما حدده الفقهاء، والزيادة فيه بالتوسعة مستحبة، فالإنفاق على النفس في حاجتها الأساسية والإنفاق على الوالدين المحتاجين وعلى الأولاد والزوجة هي موارد واجبة،
وهي الأهم في الإنفاق، ثم الإنفاق لخدمة المجتمع،
ويدخل في ضمن هذا الفقراء المحتاجين،
هذا مافهمناه من العلماء والفقهاء.
والإنفاق هو إقراض لله تعالى، وقد قال (تعالى) في القرآن الكريم: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجراً كريم) فالمال كله لله، والله لا يقترض ماله، ولكنه من تواضع الله (سبحانه وتعالى) إلى الحد الذي يصور نفسه يقترض من هؤلاء ما له لأجل المحتاجين والفقراء لهذا المال، وهذا كله للتأثير في النفوس، فيا لرحمة الله
وتواضعه، وعظمته، والله هو المتجبر العظيم الغني عن كل ما في السموات والأرض.
والعطاء مسألة نسبية،
ولا حكم خاص فيها يطبق على كل الموارد، فهي تبنى على الاتزان في الإنفاق،
فالإنسان العاقل يختار الأكثر نفعاً، ويختار الأقل ضرراً الأمور إذا أجبر على الاختيار بين احتمالات سيئة، وأنت عندما تبذل العطاء في سبيل الله فالزيادة فيه هي خير وأبقى بحسب المكنة، وهكذا حتى تصل إلى مرحلة تكثر فيها من الإنفاق بحسب
ما يحتاجه الفقير من تلبية احتياجته الإساسية، وليس المقصود مما تقدم ذكره تضييق دائرة الإنفاق والإعطاء واقتصارها على فئة محدودة جداً في المجتمع، هذا، والله ولي التوفيق: