في الحياة الاجتماعية، هناك صفات إذا تسلّلت إلى قلوب الناس دمّرت العلاقات، وأفسدت الثقة، وتركت آثارًا لا تُمحى، ومن أخطر هذه الصفات: المكر، التخاذل، الاستغفال، والاستغلال.
هذه ليست مجرد سلوكيات عابرة، بل هي علامات على خلل عميق في الأخلاق والضمير، وغالبًا ما تنتهي بأصحابها إلى الخسارة، والنبذ، والسقوط من أعين من حولهم.
المكر سلاح الجبناء وضعفاء النفس، الذين لا يواجهون الأمور بوضوح، بل يتخفّون خلف الحِيَل والخداع، ظنًا منهم أنهم الأذكى، وأنهم قادرون على تمرير مصالحهم من خلف الستار.
لكن الله عز وجل قال: "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله"، فالمكر وإن بدا ذكيًا في لحظته، إلا أن عاقبته وخيمة، وسقوط صاحبه يكون مدوّيًا، لأنه سقط من قلوب الناس أولًا، ثم من كرامته ثانيًا.
أما الاستغفال، فهو احتقار للعقول، واستخفاف بالوعي، حين يُعامل الإنسان الآخرين كأنهم أدوات سهلة يُحرّكهم بالكلام المعسول، والتلاعب بالعواطف، واختلاق القصص التي تثير الشفقة والتعاطف.
كم من شخص يُتقن دور الضحية، فيلبس ثوب الفقر أو الضعف ليحصل على ما يريد، بينما في الواقع يُخفي نوايا أخرى، ويخطط لاستغلال من حوله، بكل برود ولامبالاة!
ويُعدّ الاستغلال أسوأ هذه الصفات، لأنه يضرب أساس العلاقات الإنسانية: الاحترام والثقة.
حين يتحوّل الإنسان إلى آلة لجمع المال، ويتكسّب من عواطف الناس، ويختلق مشاريع وهمية، ويقدّم نفسه كمنكوب أو محتاج، بينما هو في الحقيقة يجمع من هنا وهناك ليزيد أرصدته، فهو لا يستحق الشفقة، بل المواجهة والانكشاف.
أما التخاذل، فهو صورة من صور الجُبن، حين يتخلّى الإنسان عن الحق، ويهرب من نصرة المظلوم، أو يتراجع حين تتطلب المواقف الصدق والصمود.
المتخاذل لا يُعوَّل عليه، لأنه يبيع رفاقه عند أول عثرة، ويتخفّى خلف الصمت حين يكون الموقف بحاجة إلى صوت الحق.
والمصيبة الكبرى، حين يجتمع هؤلاء معًا في شخصية واحدة: ماكر، مخادع، مستغل، ومتخاذل.
يدّعي الدين والتقوى، ويتقن فن الظهور كمتديّن، ينظّم المجالس ويُكثر من الشعارات، ليصنع له هالة كاذبة تحصنه من النقد، وتجعله في مأمن من الشكوك… ولكن سرعان ما تُكشف الحقيقة، ويسقط القناع.
وأخطر ما في الأمر، أن بعض الناس يعرفون الحقيقة… يرون المكر، يكتشفون الخداع، ولكنهم يصمتون، أو يسايرون، أو يبرّرون!
وهذا هو الوجه الآخر للتخاذل… أن ترى الباطل وتظلّله، أن تعلم الحقيقة وتخفيها، أن تبرّر لمن يستغل الناس، وتمنحه غطاءً زائفًا من الاحترام.
علينا أن ننتبه:
- المكر لا يدوم.
- الخداع لا يصنع احترامًا.
- الاستغلال لا يُثمر محبة.
- والصمت على الباطل مشاركة فيه.
فكن واضحًا، صادقًا، شجاعًا… لا تُخدع، ولا تخدع، ولا تكن شريكًا في ستر المفسدين.




