في زمن كثر فيه التلوّن، أصبح من الصعب أن تميّز بين الوجه الحقيقي والقناع المزيف، خصوصًا عندما يُتقن بعض البشر فنّ التمثيل، ويجعلون من الدين سلعة، ومن الطيبة مطيّة، ومن الثقة طريقًا للاستغلال.
تراهم يرتدون ثياب الورع، ويتصدّرون المجالس، وينصبون المآتم، ويُكثرون من الحديث عن القيم، ويتفنّنون في إظهار التواضع والاحتياج، حتى يخدعوا من حولهم ويجمعوا أكبر قدر من التعاطف.
وفي باطنهم قلوب ميتة، ونوايا لا تمتّ إلى الدين ولا الأخلاق بصلة… كل ذلك من أجل أن يصلوا إلى جيوب الناس، ويُحسنوا استغلال مشاعرهم الطيبة باسم الفقر أو الابتلاء أو المشاريع الخيرية.
يتقن بعضهم لعب دور الضحية، يروي القصص المبالغ فيها، ويتحدث بلهجة الضعف والانكسار، فقط ليجذب تعاطف البسطاء، ويحوّل مشاعرهم إلى أموال تُمنح له بلا حذر… ثم لا مشروع يتحقق، ولا وعد يُوفى، بل تتبخر الأموال، ويُعاد تكرار ذات السيناريو بأسلوب جديد.
إنهم صيادون بارعون للقلوب البريئة…
يستغلون الثقة، ويخدعون من لا يظن السوء في أحد.
ومن سذاجة البعض، أنهم لا يفيقون إلا بعد فوات الأوان، حين يسقط القناع، وتنكشف الوجوه على حقيقتها، فيدركون أنهم كانوا شركاء — عن غير قصد — في تمكين هؤلاء المزيفين من التغلغل في المجتمع، وامتصاص خيره، وخداع أبنائه. لكن لا يُلام الطيّب على حسن ظنه، إنما يُلام المستغِلّ على خِسّة فعله، وعلى اللعب بأقدس القيم: الإيمان والصدق والدين.
ولو علم أن الله مطّلع على النوايا، لحَسَب لكل تصرّف حسابًا، ولما سعى وراء كنز المال على حساب كرامته.
فمن يُكثر من التظاهر، ويُجيد لعب دور الضحية، قد لا يكون إلا صيادًا ماهرًا للقلوب الطيبة*.
ومن يتخذ من الدين وسيلة للتمويل والاحتيال، فهو أول من يسيء له، وأبعد الناس عن جوهره.
فاحذروا الأقنعة الملساء، وتذكّروا أن الدين لا يُباع، والتقوى لا تُقاس بالمظاهر، بل تُقاس بصدق النية، ونقاء الضمير، ونظافة اليد.
ولا تمنحوا ثقتكم إلا لمن أثبتها فعلًا…
ولا قلوبكم إلا لمن يستحقها صدقًا…
ولا أموالكم إلا في وجهٍ تعلمون أين تصبّ، ومع من تكون.




