في زمن تتغير فيه الكثير من العلاقات وتتبدل فيه المواقف، تبقى الأخوّة الصادقة رابطًا لا يُقدَّر بثمن، خصوصًا عندما تتجسد في الأخ الشقيق الذي يقف مع إخوانه في أوقات الشدة والضيق، ويكون لهم بعد الله ملاذًا وسندًا.
الأخ الشقيق ليس مجرد شخص نتقاسم معه الجينات والعائلة، بل هو الرفيق الذي يعرفك منذ طفولتك، ويحمل معك ذاكرة البيت، وهمّ الأسرة، وتفاصيل الحياة.
وحين يُثبت حضوره في الأزمات، يكون نموذجًا راقيًا للأخوّة التي أرادها الله، والتي دعا إليها الإسلام، وأكّدت عليها الروايات.
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام):
"وحقّ أخيك أن تعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجئ إليه، وعزّك وقوّتك."
(رسالة الحقوق)
وقد جسّد أهل البيت (عليهم السلام) هذا المعنى أروع تجسيد. فالإمام العباس (عليه السلام) ضرب أروع صور الأخوّة في كربلاء، حين وقف بجانب أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) مدافعًا عنه حتى الرمق الأخير، وكان يُنادى في المعركة:
"نفسي لنفسك الوقاء، وروحي لروحك الفداء."
ومن أرقى صور الإخاء والتضحية، ما نراه اليوم من بعض الإخوة الذين لا يترددون في التبرع بجزء من أجسامهم – كالكِلية أو النخاع – لإنقاذ حياة أخٍ أو أختٍ يحتاج لعملية عاجلة.
هذه المواقف الخالدة لا تُقاس بالكلمات، بل تُسطّر في سجلّ الوفاء والإيثار، وتُثبت أن الأخ الحقيقي لا يعرف التردد إذا تعلق الأمر بحياة أخيه، بل يبذل من جسده ليمنحه الأمل بالحياة.
الأخ في أوقات الرخاء جميل، ولكن في الشدائد يظهر معدنه الحقيقي.
لا يكفي أن نُحب إخواننا في القلب، بل لا بد من ترجمة هذا الحب إلى أفعال: في المساندة، والاحتواء، والوقوف في ظهرهم متى ما احتاجوا، لا سيما في زمن قلّ فيه الناصر وكثر فيه المتخلّفون عن المسؤولية.
قال الإمام علي (عليه السلام):
"لا يُعدّ أخًا مَن لم يقف معك في الشدّة."
فلنُجدّد علاقتنا بأشقائنا، ولنملأ بيوتنا بالألفة، ولنكون عونًا لا خذلانًا، وسندًا لا عبئًا، ومصدر أمان لا مصدر وجع، حتى تبقى الأخوّة رابطة حياة لا علاقة عابرة.





