طريقة التعامل مع الأصدقاء و المحيط الاجتماعي تشكّل عماد الحكم على العلاقات بالقوة و الترسّخ أو الترهل و الضعف وصولا إلى القطيعة ، و الاحترام و التفاهم أسس مهمة لاستكمال تلك العلاقة و بنائها على أرض قوية تستطيع أن تواجه مختلف الظروف و الصعوبات الحياتية و نقاط الاختلاف ، و طريقة التعامل بالحسنى أو اتصاف الشخص بالصعوبة أو الحساسية المفرطة تشكل عوامل قوة أو هدم ، و يتصف البعض بالأريحية و البساطة في التعامل بمعنى أن الحديث معه لا يحتاج إلى التكلّف و انتقاء العبارات بدقة ، كما أن الهفوات ( الكلمات المحرجة أو القاسية غير المقصودة ) لا تشكّل حجر عثرة في علاقتهما ، و إنما يتم تجاوزها بهدوء مع اعتذار الطرف الأول و تسامح الآخر ، و هذا يعني أن العفوية في التعامل لا يقصد بها البساطة الدالة على الفوضى و الأحاديث السطحية عديمة الجدوى ، بل هي قدرة نفسية على الانسجام مع المحيط الاجتماعي و التفاعل معه بعيدا عن التكلف و المدعيات الزائفة ،
فيكفي في اضطراب العلاقة الاجتماعية تحولها إلى مشهد التحقيق و كثرة الأسئلة و الاستفسارات عن المقصود بهذه الكلمة و ذاك الموقف ، و تحول الطرف الآخر إلى أسلوب التبرير و إيجاد الذرائع ، بما يشير إلى أنها علاقة قد حُكم عليها من البداية بالإزعاجية و صعوبة التعامل و اتجاهها إلى الانقطاع يوما ما ، فليس هناك من سبب يدعو أحدنا إلى حياة الضغوط النفسية و الاعتلال من صحبة شخص يصعب التعامل معه ( يسميه البعض المعقّد ) ،
و من الطبيعي أن يبحث هذا الشخص في بيئة أخرى عن أشخاص يتعامل معهم بعيدا عن التكلف و الانزعاج النفسي ؛ ليجد من ينسجم معهم و يتقبلون بساطته و الإنصات لما يقوله و التفاعل معه .
التعامل بوجوه مقنّعة كما يصنع البعض بحيث يعطي كل موقف و شخص ما يحبه و يرتاح له ( يعطيه جوه التسليك كما يقال ) يعد لونا من ألوان التلون الاجتماعي ، فالعلاقة الصادقة تقوم على الصراحة و الشفافية و التناصح و التفاهم ، فالعلاقة السلسلة و الحيوية تتصف بالأريحية في التعبير بعيدا عن التكلف و تنميق الكلام ، بل و يتعدّى الأمر إلى التفكير المسبق لأي حديث أو جلسة لتصاغ تفاصيله بحسب تقبّل الطرف الآخر ، و هذا لا يعني - بالطبع - رفع حواجز الاحترام و التقدير و المحاسبة على كل موقف أو كلمة تصدر منا ، و لكن وجود بعبع اسمه التخطيط الدقيق المسبق و وضع الاحتمال للردود يعد مؤشرا على الاعتلال النفسي و الاجتماعي ،
فالعلاقة الأريحية تعني تلقائية في التعامل و حرية في الكلام و طرح التصورات و وجهات النظر و بسطها أمام الآخرين دون خوف من مواقف متشنجة أو كلمات قاسية بسبب اختلاف وجهات النظر مثلا ، و أسلوب التهكم و عدم تقبل وجهة نظر الآخر أو سوء الفهم المستمر وصولا إلى الإقصاء ، تحدث عند الفرد حالة من الاغتراب و الاستيحاش الداعي له إلى الانسحاب بهدوء .