في حياة الأفراد والمجتمعات، لا يكون السقوط دائماً بفعل قوة خارجية أو عدو متربص، بل كثيراً ما يكون السقوط من الداخل، عندما يُسقط الإنسان نفسه بنفسه، أو يُسقط المجتمع مكانته وقيمته بأفعاله وتصرفاته غير المنضبطة.
إن من أبرز صور هذا السقوط ما نراه اليوم في أسلوب بعض الأفراد أو الجماعات في النقد والحديث. فبدلاً من أن يكون الحوار وسيلة لبناء جسور من الفهم والتعاون، تحوّل لدى البعض إلى منصة للتهجم، والتطاول، والسخرية، والاستخفاف بالآخرين. والأدهى من ذلك أن هذه الممارسات تُقدَّم أحياناً بلباس "الجرأة" أو "الصراحة"، بينما حقيقتها ليست سوى تعبير عن عجز داخلي، وعن تضخم للذات ومرض بالكِبر والغرور.
حين يفقد الإنسان احترامه للآخر، ويُمعن في التقليل من شأنه والتطاول على خصوصياته وأهله، فهو في الحقيقة يُعرّي نفسه أمام الناس. إن هذه السلوكيات لا تُظهر قوة، بل تكشف ضعفاً داخلياً وفقداناً للتوازن والموضوعية. ومن يتأمل يجد أن هذه الصفات ـ العُجب والأنانية والتنمر والغطرسة ـ كانت السبب الأول الذي أخرج إبليس من رحمة الله، حينما استعلى على آدم ورفض أمر الخالق، فصار من الملعونين المطرودين.
والعبرة هنا أن من يكرر هذه الصفات في تعامله مع الناس إنما يكرر خطيئة إبليس نفسه، فيسقط من أعين الناس، قبل أن يسقط من نظر الله عز وجل. وقد لا يحتاج هذا السقوط إلى وقت طويل، فالتاريخ شاهد على أن المتكبرين والمتنمرين لم تدم لهم مكانة، بل طواهم الزمن سريعاً، بينما بقي أثر المتواضعين وأصحاب الأخلاق الحسنة.
إن المجتمع الذي يسمح لثقافة السخرية والتهجم أن تسود بين أفراده إنما يحكم على نفسه بالانقسام والضعف. وعلى العكس من ذلك، فإن المجتمع الذي يزرع في أفراده ثقافة الاحترام المتبادل، وحسن الاستماع، والنقد البنّاء، إنما يصنع لنفسه حصانة داخلية، ويهيئ بيئة صحية قادرة على التعايش والتطور.
وعلى المستوى الفردي، يحتاج كل إنسان أن يراجع ذاته بين الحين والآخر: هل يمارس النقد بموضوعية واحترام؟ أم أنه ينساق وراء الاستهزاء وتضخيم ذاته على حساب الآخرين؟ فالأول يرفع نفسه بين الناس، ويترك أثراً طيباً في قلوبهم، أما الثاني فإنه يُسقط نفسه بيده، حتى وإن ظن أنه يتسلق إلى الأعلى.
الخلاصة أن أعظم ما يحفظ للإنسان كرامته ومكانته هو خُلقه وأدبه في القول والفعل. ومن يسيء للآخرين إنما يسيء إلى نفسه قبل غيره، ومن يتكبر ويتعالى سرعان ما يلقى جزاءه، لأن سنة الحياة أن "ما ارتفع بغير حق إلا سقط".
التعليقات 2
2 pings
راضي موسى بوشاجع
2025-09-29 في 7:48 م[3] رابط التعليق
صح لسانك كلام منطقي وهذه هي الحقيقة وسلم قلمك وعقلك .
طاهر الدليم
2025-09-29 في 8:21 م[3] رابط التعليق
صدقت ولد العم يسلم بوك هذا الي حاصل اليوم
لك شكري
جزيتم خيرا رحم الله والديك