في ثقافتنا الشعبية، كثيرًا ما يتردد مثل معروف بين الكبار: "في واحد تحشمه، وواحد تهشمه، وواحد تحشم نفسك عنه". هذا القول البسيط يحمل في طياته خبرة طويلة في التعامل مع الناس، ويلخص ثلاثة أنماط من العلاقات الإنسانية:
-
شخص تستحق احترامه وتقديره
-
وآخر لا يُردعه إلا الحزم
-
وثالث عليك أن تترفّع عن الانحدار إلى مستواه
الفئة الأخيرة هي الأخطر، لأنها تجرّك إلى مستنقعها. تعاملهم مبني على الدناءة، طريقتهم في الحديث فيها تحقير وسخرية، ويبحثون عن زلاتك ليفترسوك. هؤلاء هم من يجب أن "تحشم نفسك عنهم" أي تبتعد عن الرد عليهم، لأنهم يستدرجونك لرد فعل غاضب حتى يستغلوه ضدك.
هناك من يستمتع بإثارة الناس، تمامًا كالثعلب، يتقن المراوغة ويجيد التلاعب بالألفاظ. يفتعل جدالًا، يحرّف الوقائع، ويقلب الصورة ليظهر بمظهر الضحية، بينما هو في الحقيقة المعتدي. وإذا انجرفت للرد عليه، يبدأ في استثمار غضبك. يرفع قضية، يبتزك نفسيًا، وربما يشوه سمعتك ليرتقي على أنقاضك.
في الثمانينات، تحدّث مبتعثون عن طلاب مخادعين كانوا يتعمدون إلقاء أنفسهم أمام السيارات، ثم يدّعون الإصابة، ليبتزوا السائقين ماليًا. حيل مشابهة نراها اليوم، لكن بأساليب رقمية. شخص يستفزك عمدًا عبر تغريدة أو منشور، ينتظر ردك، ثم يُقدّمه كدليل لإدانتك أمام القانون، ويطالب بتعويضات.
اليوم، في ظل الإعلام الرقمي الواسع، هناك من يجعل من الاستفزاز استراتيجية. يُثير القضايا الاجتماعية تحت عنوان "حرية شخصية"، أو يُسقط الرموز علنًا، أو يساوي بين الظالم والمظلوم، ليس عن جهل بل بهدف تضليل الرأي العام أو التملق لجهات معينة.
من هنا تأتي أهمية الوعي، خاصة للشباب. لا تقع ضحية لمسرحية رديئة الإخراج. لا تُستدرج لمعارك لا تليق بك. القانون موجود لحمايتك، فلا تعطه لمَن يتربص بك سلاحًا ضدك.
علينا أن نُعزز داخل مجتمعاتنا قيمة الوفاء، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ولا تنسوا الفضل بينكم﴾. الوفاء ليس فقط للأشخاص، بل للمبادئ التي تربينا عليها.
في المقابل، هناك من انقلب على أهله وناسه، لا لأنه مجروح، بل لأنه يرى في الإساءة فرصة للصعود. البعض يشعر بالخذلان في بيئته، ويظن أن الطريق الوحيد للنجاح هو الانفصال عنها. لكنه في الحقيقة يخسر أكثر مما يربح.
ردود الأفعال العنيفة تجاه هؤلاء، وإن كانت مبررة عاطفيًا، إلا أنها غير حكيمة. فالقانون سيحميهم من خطاب الكراهية، ولن يلتفت لنواياك. لذلك، كن أكبر من فخاخهم، وتمسّك بالحكمة.
في النهاية، تعلّم أن تميز بين الناس.
-
من يستحق الاحترام، امنحه إياه
-
من يعتدي، واجهه بالقانون لا بالغضب
-
ومن يسقط بنفسه، ابتعد عنه ولا تسقط معه
هذه القاعدة كفيلة بأن تحفظ كرامتك، وتحميك من أشخاص لا يستحقون حتى الرد.
التعليقات 2
2 pings
عبدالعزيز
2025-07-21 في 8:53 م[3] رابط التعليق
احسنت كلام واقعي
بارك الله فيك
ابوالفواطم
2025-07-21 في 8:54 م[3] رابط التعليق
ابوتقي
تحية طيبة
شكراً لمشاركتك وموضوعك الجيد
وهنا نفهم من قوله تعالى لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
الملتفت لتفسير واقعت هذه الآية يعرف الربط الحقيقي في معنى الآية الكريمة
ولكن في مجتمعاتنا تعيد صور الإساءة بفنون متنوعة دون الالتفات للحقائق الواقعية.
بينما رسول الله صلى الله عليه وآله عفى عن المخطئين في صياغ الآية، لعهم إلى ربهم يرجعون.
لكن العوج عوج
نستلهم من القصص العبر الكثيرة
وليس كل من يثير الجدل مدعياً للحق
فلو كان ذلك لكانوا رافعي المصاحف على حق.
ولكن هيهات يكون ذلك فأمير المؤمنين سيد المواقف وسيد المعرفة.
تحياتي