قبل أربعين يومًا، كان هناك رجلٌ صالحٌ يغشى وجهه النور، وعليه سيماء الهداية، يمرر ينابيع علمه على كل نواحي القرية المباركة، يزرع سنابل الخير بيديه الكريمتين، يهدهد أشجار الياسمين، كلما مر في طرقاتها؛ فتفوح بأريج الصفاء والنقاء، فيدخل من نوافذ البيوت عبير خطواته المباركة، كان يحمل قلبلًا طاهرًا، عطوفًا على المساكين، رحيمًا بالمحتاجين، يتفقدهم في كل وقت وحين، حينما تدمع السماء بخيراتها، كان يشكر الله على نعمه، لكنه يرفع عباءته على رأسه، ويسير في الطرقات خوفًا على بيوت المحتاجين التي كانت تتضرر بالمطر، فيهاتف ذلك الرجل، ويخاطب ذاك، ليساعد في منع دخول المياه داخل البيوت، ولا يغمض له جفن حتى يرى تلك الأسرة في أمان.
بقلبه الصبور، تحمل الكثير، فساد بين الناس عالمًا يسير بعلمه، وبحكمته وحنكته، ملك القلوب، واستوطن النفوس، فصار رمزًا للخدمة والعطاء.
عاش زاهدًا متواضعًا، يحترم الصغير والكبير، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، نشر علمه وأقام فريضة الصلاة وأحيا صلاة الجماعة، فأتم به المؤمنون، ما زال يذكرهم بالله، ويقربهم من محمد وآله، يشيد دور العبادة، ومآتم أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
وفي ذلك الطريق أفنى عمره، الشريف، حتى اختفى نوره، وارتقى إلى جوار ربه، تاركاً في قلوب المحبين ألف جرح، وألف حسرة، رحل كاظم الخير، رجل العلم والتقى والورع، عماد المنيزلة وشمسها ووهج عطائها، إرثها وتاريخ عزتها وولائها، رحل الرجل الرشيد ذو الرأي السديد، رحل هادئاً، وخلف وراءه حزن مدينة، ضجت بكاءً لفقده وفراقه.






