يُعد ألم البطن من أكثر الأعراض شيوعًا في الطفولة، وقد يُسبب قلقًا كبيرًا لدى الأهل والمعلمين والأطباء على حد سواء. ورغم أن العديد من حالات ألم البطن تكون ناتجة عن أمراض عضوية مثل الالتهابات أو الإمساك، إلا أن نسبةً كبيرة منها لا يكون لها سبب عضوي واضح، وتُعرف حينها بـ ألم البطن الوظيفي. هذا النوع من الألم يمثل تحديًا في التشخيص والعلاج، نظرًا لتأثيره الكبير على جودة حياة الطفل، رغم غياب المظاهر المرضية الظاهرة أو الخطيرة
التعريف:
ألم البطن الوظيفي هو ألم مزمن أو متكرر في البطن يحدث عند الأطفال دون وجود سبب عضوي واضح مثل الالتهابات أو انسداد الأمعاء. ويُعد من أكثر أسباب ألم البطن شيوعًا في الطفولة.
مدى الانتشار:
• يُصيب حوالي 10–15% من الأطفال.
• غالبًا ما يظهر بين عمر 4 إلى 15 سنة.
• أكثر شيوعًا عند الإناث.
الأسباب وآلية الحدوث:
• فرط حساسية في أعصاب الأمعاء (أي أن الطفل يشعر بالألم بسهولة أكثر من الطبيعي).
• خلل في التواصل بين الدماغ والجهاز الهضمي.
• يتأثر كثيرًا بالعوامل النفسية مثل التوتر والقلق والمشاكل الأسرية أو المدرسية.
أنواع ألم البطن الوظيفي:
بحسب التصنيف الطبي، هناك عدة أنواع لألم البطن الوظيفي، منها:
1. Functional dyspepsia
عُسر الهضم الوظيفي
(وهو شعور مزمن بعدم الارتياح أو الألم في الجزء العلوي من البطن دون سبب عضوي واضح)
2. Irritable bowel syndrome (IBS)
متلازمة القولون العصبي
(اضطراب وظيفي في الجهاز الهضمي يسبب ألمًا في البطن مع تغير في حركة الأمعاء مثل الإسهال أو الإمساك)
3. Abdominal migraine
الصداع النصفي البطني
(نوبات متكررة من ألم البطن مرتبطة عادة بالغثيان، وتُشبه نوبات الشقيقة ولكن تتركز في البطن)
4. Functional abdominal pain not otherwise specified (FAP-NOS)
ألم بطني وظيفي غير محدد التصنيف (FAP-NOS)
(ألم بطني مزمن لا تنطبق عليه معايير الأنواع الوظيفية الأخرى كعسر الهضم أو القولون العصبي)
الأعراض:
• ألم متكرر في منطقة السرة في أغلب الحالات.
• قد يحدث الألم يوميًا أو عدة مرات في الأسبوع.
• لا يصاحبه عادة فقدان وزن أو دم في البراز أو حرارة.
• قد يؤثر في حياة الطفل اليومية (يتغيب عن المدرسة أو يرفض الأكل).
• أحيانًا يظهر الألم قبل المدرسة ويخف في الإجازات أو عند الانشغال باللعب.
علامات تستدعي القلق (تُنذر بوجود مرض عضوي):
إذا وُجدت أي من العلامات التالية، يجب إجراء تقييم أعمق:
• فقدان وزن أو تأخر في النمو.
• ألم يوقظ الطفل من النوم ليلًا.
• وجود دم في البراز.
• قيء متكرر أو صباحي.
•تاريخ عائلي لأمراض مزمنة مثل السيلياك أو التهابات القولون.
• وجود حرارة مستمرة أو تعب عام.
التقييم الطبي:
• يعتمد التشخيص بشكل أساسي على التاريخ المرضي الدقيق والفحص السريري.
• لا تُطلب فحوصات مخبرية إلا إذا وُجدت علامات إنذارية.
• إذا لزم الأمر، قد تُجرى بعض التحاليل مثل:
• تحليل الدم.
• تحليل البراز.
• فحص حساسية القمح (السيلياك).
العلاج:
الهدف الرئيسي:
ليس فقط تقليل الألم، بل مساعدة الطفل على العودة لحياته الطبيعية.
الأساليب العلاجية:
1. التطمين والشرح:
• طمأنة الطفل والأهل أن الحالة غير خطيرة.
• شرح العلاقة بين المشاعر النفسية وألم البطن.
2. تعديل نمط الحياة:
• تنظيم النوم.
• ممارسة الرياضة.
• تقليل الأطعمة التي قد تسبب الغازات أو الانتفاخ.
3. الدعم النفسي والسلوكي:
• العلاج السلوكي المعرفي قد يكون فعالًا جدًا.
• الدعم الأسري والتربوي مهم.
4. الأدوية (في حالات معينة فقط):
• أدوية تخفيف التقلصات.
• في الحالات الشديدة، قد يُستخدم دواء مضاد للاكتئاب بجرعات منخفضة لتحسين الألم.
نقاط مهمة:
• الألم غالبًا يكون في منتصف البطن حول السرة.
• الفحص السريري الطبيعي وغياب الأعراض المقلقة تشير إلى أنه وظيفي.
• العلاج يرتكز على التوعية، الدعم النفسي، وتشجيع العودة للنشاط اليومي.
• لا يجب الإكثار من التحاليل أو الأشعة بدون داعٍ.
الخاتمة:
يمثل ألم البطن الوظيفي عند الأطفال حالة شائعة تتطلب وعيًا طبيًا وتربويًا للتعامل معها بشكل فعّال. التشخيص يعتمد بشكل أساسي على القصة المرضية والفحص السريري، بينما يهدف العلاج إلى تحسين جودة الحياة من خلال التطمين، والدعم النفسي، وتعديل نمط الحياة. من المهم تجنب الإجراءات الطبية الزائدة ما لم تظهر علامات إنذارية، والتركيز على بناء علاقة طبية داعمة تُعيد للطفل توازنه الجسدي والنفسي. إن الفهم الجيد لهذه الحالة يمكن أن يُخفف الكثير من المعاناة ويمنع التدخلات غير الضرورية.




