يظهر اليوم مفهوم حديث في اختيار شريك الحياة: (الزواج المتقارب فكريًا ومهنيًا)، تقوم الفكرة على أن المعلم يفهم المعلمة أكثر، والشاعر ينسجم مع الشاعرة، والرياضي يدرك عالم الرياضية، وهكذا… لأن التشابه في الاهتمامات والمجالات يصنع لغة مشتركة ويزيد من عمق العلاقة.
لكن هل هذا المفهوم صائب؟ وما رأي علم النفس والاجتماع والدين فيه؟
أولًا: لماذا يحتاج كل إنسان شريكًا من عالمه الفكري؟
- اللغة المشتركة تُولد تلقائيًا وتجعل الحوار أكثر سلاسة.
- الاهتمامات المتشابهة تمنع الصمت الزوجي الذي يخنق العلاقة.
- الدعم النفسي يصبح أكثر دقة وعمقًا لأن الطرفين يفهمان طبيعة ضغوط بعضهما.
- النمو الذهني والمهني يصبح متبادلاً مما يحول الزواج إلى مساحة تطوير وليست مجرد حياة مشتركة.
ثانيًا: رؤية علم النفس
يشير علم النفس إلى أن العلاقات القائمة على التشابه غالبًا ما تكون أكثر استقرارًا ورضا لأن التشابه الفكري يقلل الصراعات ويعزز الألفة، أما العلاقات التي تقوم على التكامل فقد تنجح إذا كان الطرفان ناضجين ولديهما قدرة كبيرة على تقبّل الاختلاف، لكن الدراسات تشير إلى أن الاختلاف الكبير في الاهتمامات المهنية يؤدي في كثير من الأحيان إلى ضعف التواصل، الملل، والشعور بعدم الفهم واللجوء إلى الصمت.
ثالثًا: رؤية علم الاجتماع
يرى علماء الاجتماع أن المهنة ليست مجرد وظيفة بل هي هوية كاملة تتضمن قيمًا وطقوسًا ونمط حياة، وعندما يتشارك الزوجان الهوية المهنية ذاتها تتوسع الشبكات الاجتماعية المشتركة، وتتقارب ساعات اليوم بسعادة، ويتشكل طموح عائلي متناغم، ولهذا ليس غريبًا أن نجد نسبًا عالية من زيجات الأطباء مع الطبيبات، والفنانين مع الفنانات، والإعلاميين مع الإعلاميات، والمبدعين مع المبدعات، وحتى الطباخين مع الطباخات...
رابعًا: الرؤية الدينية
لا يشترط الدين تشابه المهنة بين الزوجين، لكنه يشدد على الكفاءة والتفاهم والسكن النفسي فلا تستقيم المودّة إلا بالتفاهم والتفاهم يتحقق بسهولة أكبر عندما تكون عالمية الزوجين متقاربة، كما تسهم المشتركات في بناء الطمأنينة التي أشار إليها القرآن الكريم: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
خامسًا: متى يكون الاختلاف مفيدًا؟
قد ينجح اختلاف الاهتمامات حين يملك الطرفان نضجًا عاليًا وقدرة على تقدير عالم الآخر، لكن هذا الاستثناء وليس القاعدة فالأغلبية تحتاج شريكًا يفهمها بعمق لا شريكًا يتفرج على عالمها من بعيد دون اهتمام أو اعتبار.
سادسًا: الفذلكة الفكرية
تبيّن التجارب والدراسات أن الزواج المتقارب فكريًا أكثر قدرة على خلق علاقة نابضة بالحياة، غنية بالأحاديث، مرتفعة في الدعم العاطفي، وقادرة على صناعة مستقبل مشترك أكثر تناغمًا فليس المطلوب أن يكون الزوجان نسخة متطابقة، لكن التقارب في الاهتمامات يكفي لخلق مساحة مشتركة أكبر فكلما كبرت هذه المساحة كبر الحب والانسجام بينهما.
جدول المقارنة بين الزواج المتقارب فكريًا والزواج المتباعد:






