لا شك أن سواد الناس يستمتعون بمذاق قهوتهم الشّهية صباحا .
بعضهم يمتزج بها يشكلان سرّا مغلقا عَرَّفَ بَعْضهُ وَ أَعْرض عَن بَعْض ، وبعضهم أخبرها بأن من أراد السيادة هجر الوسادة .
حديث القهوة شيق ، ومغامراتها جريئة نحو التغيير ، لا تقبل القهوة الخنوع لفوضى الفكر ورتابته ، بل تحترم الرأي المصنوع بثقة صاحبه، وتعشق العقل المُحبّ للتغير الإيجابي ، حتى إذا أحجمتَ عنها رسمت لك ديباجة جميلة من النشاط والقوة ، وساندتك في تغيير وجهتك للتغير نحو الأفضل .
بين رأي وآخر يظهر النقيض وتظهر آراءٌ عالقةٌ بين جيلين يظهرها البعض بمسمى : ( زمن الطيبين ) غير أنني أسميه : ( زمن الحكماء ) .
لكن يظلّ السؤال العالق في سماء من يطلب التغيير هو :
هل نستطيع تغيير فكر الآباء والأمهات ؟ وهل قدرتهم على التغيير تعني تنازلهم عن آرائهم العالقة بين جيلين ؟
أم أن مبادئهم فرعونية لا تخضع للتحديثات ؟
كنتُ أراه بحثًا شائكًا ولكنني عندما أبصرت طرق التغيير رأيتها طرقا مُيسرة ، يلتقي من خلالها أجيالٌ مختلفون في التفكير والطباع ، فهل نملك مفاتيح ذلك التغيير ؟
لقد لاح بين ناظري التغيير الذي طرأ على أمي من مطبخها حتى عباءتها فعرفتُ أن التغيير سنة كونيّة ، ينطلق من الحاجة إليه كمصلحة أو ضرورة مُلحّة ، حاجة طرقت أبوابنا فأصابت البعض بخيبات أو تيارات من الخوف كرهاب الأجهزة الذكية عند البعض الذي تحول لعشق عند إزالة أسباب الخوف منه .
لا يحدث التغيير بين ليلة وضحاها ، ولا يتمخّض من حديث الأمنيات الساكنة ، وإنما لابد أن نرفع مستوى اليقين بالنجاح ، نغامر بإرادة نفتح من خلالها أبواب المعجزات فلا نصل فقط وإنما نعجزهم بنتائج الوصول .
والتغيير عند آبائنا يأخذ شقين :
الشّقُّ الأول :
يبدأ في الظهور عندما يكتشف الأب أو الأم أنه يتصرّف بآلية غير مجدية ، ولم تجلب نفعا تجاه مشكلة معينة لأحد الأبناء ، وقتئذ ينتفض انتفاضة يُحرّك بها جميع القدرات الفيسيولوجية والسيكولوجية لديه لاتجاه آخر يحرز فيه نجاحا من نوع آخر .
وأحيانًا يتطلب التغيير موقفا كارثيًا ، أو أطروحة عظمى جرفت الأب أو الأم لوجهة أخرى أفضل من وجهته السابقة فجاء التغيير نعمة حطّت على حياته فأصبحت أحسن بكثير من ذي قبل .
أما الشّقُّ الثاني :
فهو عندما نكون نحن أداة التغيير ووسيلته بتغييرنا لآبائنا ، محاولين شطب موروث خاطئ من أرشيفهم الزمني بطرق مختلفة ، نفاضل بينها حتى نصل بهم إلى مرحلة الإقناع وهذا الأمر يحتاج إلى قوة كبرى من التّحمّل ، وطاقة صبر يتخللها مشقة وألم يجب علينا الصمود أمام هدفنا وألا تغلبنا أمواج اليأس فتقذفنا بعيدا وينخفض منسوب النجاح تبعا لصعوبة التغيير .
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، سورة الشورى (43) .
إننا نؤمن بالتغيير يقينا لأننا نؤمن بأن الأفكار لا تبقى ساكنة ، بل تتمرد على أصحابها ، تصحبها تحديثات مستمرة ، بحكم التجربة الزمنية والمواقف المختلفة التي ترتجل الحدث فيخاطب صاحبه مرحى بالتغيير وبالإنسان الجديد .