اسمي عبد العزيز أعيش مع أسرتي في منزل واحد يجمعنا الحب ، ونتعامل مع بعضنا بمنظور الاحترام والذوق الإنسانيّ الجمّ.
تعلمتُ من والدي الثبات على المبدأ ، والدي سيد الأفكار المُنجَزة ، مثال للصمود حتى آخر نفس له وبجانبه تقف أمي التي ترعى شؤوننا بالحب وباللسان الصادق .
أستشعر مع أسرتي أمان الخوض في تيارات الحياة، لابد أنكم سوف تسألون عن منزلي، وسوف أخبركم أنّني أسكن منزلا صغيرا في حجمه يناسب حجم أسرتي الصغيرة، لكنني أتربع على جميع عروش السعادة ، وتحرسني السقوف المقدسة .
إنّكم تعلمون أننا في عالمنا الإنساني نؤمن بالعبارة التي تنصّ على :
( إنّ صغير المنزلة يجدرُ ألّا يُحتقر ، فإن الصغير ربما أصبح عظيمًا) وأنا أُدرك أن الأمر له علاقة أيضا بالحجر والأسمنت ، فمنزلي الصغير قصرٌ كبيرٌ، أحجاره كريمة بأهله العظماء ، وقد تتفقون معي في هذا الرأي إذا قصصتُ عليكم القصص وأنبأتكم بخبر حديقة أمي.
إليكم الأحاديث الجميلة ، اغمضوا عيونكم ثم أطرقوا جيدا لحكاية أمي :
منزلي الصغير يطلّ على حديقة أمي الجميلة هكذا يسميها والدي لاهتمام أمي الشديد بها، وعنايتها الفائقة بكل تفاصيلها.
ما إن تدخل منزلنا حتى يصادفك مسطح أخضر جميل يتوسطه شجرة ليمون ذات ظلال وارفة ؟ تشبه المروحة العاطرة التي تنعشك عند تمريرها بين يديك، طالما سمعتُ والدتي تقول: إنّ فاكهة الليمون من الفواكه التي كانت نادرة وثمينة في العصور القديمة؛ لذلك كان الملوك يرسلونها كهدايا لبعضهم وطالما عشقت أمي الليمون وتغنت بشرابه .
بالمناسبة عرفتُ من أمي أنّ أصل شجرة الليمون يعود لشمال بلاد الهند حيث قَدِم بها العرب من هناك وزرعوها في منازلهم لإعجابهم برائحتها وطعمها المضاف للشراب السّكّري.
فكنت في أغلب أحوالي أستلقي تحت ظلال شجرة الليمون التي تتوسط منزلنا وتحيط بها الزهور وأرتشف كؤوس الليمون التي تصنعها أمي بحب .
سوف أحدثكم عن المزيد ...
على جانبي الحديقة زرعت أمي الكثير من الريحان والنعناع والكثير من النباتات العطرية، يتدفق بجانبها شلالٌ من المياه العذبة ، سوف تحمل لك الرِّياحُ اللَواقِح نسيما عليلا من مزيج الروائح الجميلة وسوف تسمع خرير الماء كأعذب موسيقى هادئة يمكن أن تسمعها، ناهيك عن المنظر الآسر الذي يمكنك أن تستمتع به عيناك وأنت جالس على تلك الكراسي الأسمنتية المطلية باللون البني الفاتح مما يضفي على المكان جمالًا آسرا يُخرجه مثل لوحة فنية جميلة.
ويتجلّى جمال حديقة أمي عند نزول المطر كأبدع منظر رأته عيناي يوم ترى حديقة أمي خاشِعَةً فَإِذا نزلت الأمطار اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ واستفاقت من سباتها وتجددت الحياة فيها : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
في حديقة أمي تتفاعل جميع حواسك، فتستقبل المرئيات والملموسات والمحسوسات وترسل إشاراتها إلى الإحساس العصبي والشعور الوجداني فتنعم بمتنفس صحي وذهني للترويح عن النفس وإحداث البهجة بلا حدود.
كنا نقضي جلّ وقتنا في حديقة أمي ونستمتع بجمال الخضرة وأريج النبات غير أنه ليس لك من الخير أو الشر شيء ٌ إلا وهو مقدّر عليك رؤيته في يوم ما ..
وفي بداية الأمر شعرتُ أن والدي كان يُمهّد الطريق لكارثة عظيمة حيث بدأ بحديثه أنّه يريد أن يُجاور والديه ويفضل أن يُسكنهما بجانبه ؛ خاصة وأنهما بحاجة لرعاية خاصة وليس لديه متسعا من الوقت ليشملهما بالعناية ذهابا وإيابا لمنزلهما .
لاح لي أن والدي أفرغ مافي جعبته من ألم لتقصيره في خدمة والديه وأراد أن يسكنهما معنا، إلّا أن منزلنا لا يحوي غرفا إضافية ؛لذلك قرر والدي بعد أن استأذن من والدتي أن يبني جناحا فاخرا لجدي وجدتي مكان حديقتها يطلّ على منزلنا مباشرة .
عندما عرض والدي الأمر على والدتي، كنت خائفا على أمي أن يحدث لها شيئا ، رأيت الحزن في عينيها ، أُحدق بها وأترقب كلماتها التي سوف تضع بها النقط على الحروف قالت أمي بهدوء: في السماء أقدار وأرزاق يفتحها برّ الوالدين والإحسان لهما ، عسى الله أن يبدلنا خيرا مما أخذ منا، وفي جنةٍ عرضها السموات والأرض في الآخرة خير عوض .
خاطبت والدي وقد برق الألم في عينيها : لاتخف يا عزيزي ، جنّة الله مُتنفّس عظيم من تعب الدنيا وألمها ،وجنة الآخرة يزينها إنسان قد اجتاز اختبارات الحياة وآلامها .
أهل الجنة لم يقضوا جلّ أوقاتهم في المساجد إنما أبهروا الملائكة بسيل من الأعمال الصالحة ولايوجد عمل يضاهي البرّ بالآباء.
( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )
ألم أقل لكم من قبل أنني أعيش مع عظماء الدنيا ؟
أمي الحبيبة تمنيتُ أن أحمل جزءً بسيطا من آلامك، ولكن بتّ متأكّدا أن الله تعالى سوف يفتح لك أبواب الخير على مصراعيها لأنك تستحقين ذلك .
بعد أسبوع من هذا الحوار وفي يوم قست ساعته على أمي جاءت الجرّافة ومحت آثار حديقة أمي ، هرولت مسرعا إلى أمي لأرى كيف كانت تكابد الآلام وابتلعت عيناها الدموع فأبت ألا تنحدر.
احتضنت أمي وشعرت بتعب السنين التي أمضتها في رعاية حديقتها، ولكنها أخفت الألم والحزن من أجل والدي ومن أجل مشروعه الرابح .
توالت الأيام وأعقبتها الشهور وتمّ البناء وأصبح والديّ سعيدين لوجود جدي وجدتي بقربهما ، أما أمي فقد اشترى لها والدي قطعة أرض بجانب منزلنا كي تقرّ عينها ولا تحزن واستطاعت أمي بفضل خبرتها الزراعية أن تُحيل تلك الأرض إلى إحدى الجنان في أرض الله .
أمي الحبيبة سأظل أراك من روائع خلق الله تعالى ، حبّك لن يشيخ في قلبي لأنّك في كلّ يوم تعطيني حزمة من أجمل دروس الحياة .
لأنك مصدرنا الأول .. شاركنا أخبارك موثقة بالصور .. قضية .. مقال .. وذلك بالإرسال على رقم خدمة الواتساب 0594002003
- 2025-04-30 “الإنذار البرتقالي في الشرقية: رياح نشطة وأتربة مثارة تحد من الرؤية الأفقية”
- 2025-04-30 نائب أمير الشرقية يرعى حفل تخريج أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة بجامعة الملك فيصل
- 2025-04-30 مختص: كبار السن أكثر الفئات عرضة للاحتيال
- 2025-04-29 الأهلي يتفوق على الهلال بثلاثية ويتأهل لنهائي دوري أبطال آسيا للنخبة
- 2025-04-29 الموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء.. 17 قرارًا جديدًا لمجلس الوزراء
- 2025-04-29 أشجار التوت تصبغ أيدي أبناء الأحساء
- 2025-04-29 مزايا متوقعة في ساعات أبل الجديدة
- 2025-04-29 «الداخلية»: عقوبات تصل إلى 100 ألف ريال لمخالفي أنظمة وتعليمات الحج
- 2025-04-28 جامعة الفيصل تفوز بجائزة التميز في تطوير الكفاءات الصحية
- 2025-04-28 تعديلات على لائحة نظام حماية البيانات الشخصية
ليلى الزاهر

كاتبة في صحيفة المنيزلة نيوز
إقرأ المزيد
قصرٌ بأحجار كريمة (قصة)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.aldeereh.com/articles/67754.html