ورد عن الإمامُ الصادق (ع): "لَعَنَ اَللَّـهُ قَاطِعِي سَبِيلِ اَلْمَعْرُوفِ، وَهُوَ اَلرَّجُلُ يُصْنَعُ إِلَيْهِ اَلْمَعْرُوفُ، فَيَكْفُرُهُ، فَيَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ )( الاختصاص ص ٢٤١ ) .
مقابلة الإحسان و صنيعة المعروف ممن يحمل بين جنبيه فطرة سليمة و نفسا نقية مجازاته المقابلة بالإحسان و مشاعر الامتنان و شكر هذا المعروف ، و ليس معنى ذلك هو انتظار الشكر و الثناء ممن أسديت له معروفا و اعتباره مجازاة عليه ، و لكن المشاعر الإنسانية النبيلة تسير وفق الفطرة و المعايير الأخلاقية الفاضلة باتجاه التلاقي و التوافق مع المعروف و مقابلته بالطيب في المنطق و النظرات الحانية ، و هذا مبعث و رافد لمبدأ الاحترام و التقدير بين الناس ، حيث تبقى المودة في إطار التكافل و المعروف في أوج مظاهرها ، و أما النكران و تناسي المعروف و كأنه لم يكن بل و قد تصل النوبة إلى مقابلة الإحسان بالإساءة إليه فنتائجه كارثية ، و البعض أصبح ممن يعد المعروف حقا من حقوقه التي تصل إليه و ليس معروفا يُسدى إليه ، و هذا لا يعني أن صاحب المعروف ينتظر المجازاة و التشكّر على خيره ، و لكن مثل هذه الرسائل السلبية قد تشكل فكرة بأن من يصل إليه المعروف سيعض اليد التي تحنو عليه ، و هو ما يشكل إحباطا عند النوع الجمعي و دافعا نحو تجنب فعله مع الآخرين مستقبلا ، فالصورة المتشكلة عن قصص ناكري المعروف يخاف من منعها البعض عن القيام بأفعال الخير و صنيعة المعروف و الابتعاد عن مظلة التفاعل و المشاركة الوجدانية و الفعلية مع حاجات و هموم الآخرين .
و نقدّم مثالا محسوسا عن نكران المعروف و مقابلته بالإساءة بصورة حية تلامس وجدان الكثير ، و هو طلب البعض المساعدة المادية و اقتراض مبلغ معين و الاستعداد لسداده خلال فترة معينة ، و إذا به بعد فترة من استلامه يتلكّأ في السداد و يسوق الأعذار الواهية و يتجنب أي لقاء أو اتصال مع الدائن ، أفلا يكون مثل هؤلاء قطعا لسبيل المعروف مع الطيبين مستقبلا ، و منه يتشكل الإقراض بعبعا عند الناس من عدم سداده بل و نكران أصل القرض ، خصوصا مع استنكافنا و بعدنا عن مسألة توثيق الديون - مع أن أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدين - مما خلق بيئة خصبة لتكاثر ناكري المعروف و آكلي حقوق الآخرين .
و قد يكون الشعور بالنقص أو الابتلاء بمشاعر التعالي و الغرور هو الدافع نحو مقابلة الإحسان بالإساءة ، فعندما تقدم نقدا إيجابيا أو نصيحة لآخر بكل احترام و لباقة بقصد إكمال صورنه الجميلة و خلوها من أي خدش ، تنقلب الصورة و يعد مثل هذه اليد الممتدة لمساعدته هجوما عليه و لابد من مقابلته باعتداء أقوى منه ، فيبدأ بالحديث عنه أمام الغير بسوء و يسعى لتشويه صورته و التحدث عنه بأقسى العبارات و أقذعها ، فمن السبل الشيطانية الماكرة التشكيك في نوايا الآخرين و تصوير أي كلمة طيبة أو موقف جميل منهم بأنها قناع لمآرب خفيفة - فوراء الأكمة ما وراءها كما يقال - ، و بالتأكيد فإن تفشي هذه الظاهرة السلبية يؤدي إلى تدهور العلاقات المجتمعية و ضربها بضعف الثقة المتبادلة و روح التعاون و التكاتف ، و يرتفع دخان الخصومات و الصراعات بسبب الدخول المتهور في إتون هذه الخلافات المتصاعدة ، و ليس هناك من عامل هدام و مسبب للإفساد المجتمعي و مضعف للتمسك بالقيم الأخلاقية كنكران الجميل .