يشهد المجتمع التعليمي جدلًا مستمرًا بين مؤيّدي الدراسة عن بُعد عبر منصة «مدرستي» وأنصار الدراسة الحضورية، وهو جدل يتجدد مع كل حالة طارئة، كالأمطار الغزيرة أو الظروف البيئية الصعبة، ويعكس تباينًا واضحًا في وجهات النظر بين فئات المجتمع المختلفة.
ومن منظور الناس عامةً، يرى كثيرون أن الدراسة عن بُعد أصبحت خيارًا عمليًا ومناسبًا في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، خاصة عند وجود مخاطر على السلامة. ويؤكدون أن التعليم عن بُعد يخفف الازدحام المروري، ويقلل من استهلاك الوقود، ويجنب الطلبة وأسرهم عناء التنقل اليومي، خصوصًا في الأجواء الممطرة أو القاسية. في المقابل، يرى آخرون أن الاعتماد المتكرر على التعليم عن بُعد قد يضعف الانضباط العام، ويجعل المدرسة أقل حضورًا في حياة الطالب.
أما الطلبة فتنقسم آرائهم؛ إذ يفضل البعض الدراسة عن بُعد لما توفره من راحة ومرونة، وتقليل الضغط الجسدي والنفسي المرتبط بالاستيقاظ المبكر والتنقل. بينما يرى طلاب آخرون أن الحضور للمدرسة يساعدهم على التركيز والانخراط في أجواء التعليم، ويحد من التشتت الذي قد تسببه الأجهزة المنزلية ومغريات التقنية أثناء الحصص الافتراضية.
ومن وجهة نظر أولياء الأمور، يولي أولياء الأمور جانب السلامة أولوية قصوى، ويؤيد كثير منهم التعليم عن بُعد في الحالات الجوية أو البيئية الصعبة، حرصًا على أبنائهم من الحوادث والمخاطر. إلا أن شريحة أخرى من أولياء الأمور ترى أن التعليم الحضوري أكثر فاعلية في بناء شخصية الطالب، وتعزيز الانضباط والجدية، خصوصًا في ظل ما يلاحظونه من ضعف الالتزام لدى بعض الطلبة أثناء الدراسة عن بُعد، واعتمادهم المفرط على الغياب الذهني أو الشكلي.
وينظر المعلمون إلى المسألة من زاوية تربوية وتعليمية أعمق؛ فالكثير منهم يؤكد أن التعليم الحضوري يتيح تفاعلًا مباشرًا، ومتابعة أدق لمستوى الطلبة، ويعزز القيم السلوكية والانضباط داخل الصف. وفي المقابل، لا ينكر المعلمون أن التعليم عن بُعد أثبت نجاحه في ظروف معينة، خاصة عندما يكون مخططًا له جيدًا، ومدعومًا بأدوات تقنية فعّالة، وتعاون من الأسرة والطالب.
ومن منظور المسؤولين وصنّاع القرار، يسعى المسؤولون إلى الموازنة بين سلامة الطلبة وجودة التعليم، معتبرين أن التعليم عن بُعد ليس بديلًا دائمًا عن الحضوري، بل خيارًا داعمًا ومرنًا يُستخدم عند الحاجة. وتأتي القرارات عادةً بناءً على تقييم شامل للظروف الجوية، ومستوى الجاهزية التقنية، والحرص على استمرارية العملية التعليمية دون تعريض الطلبة للخطر.
ويبقى الجدل قائمًا بين التعليم عن بُعد والتعليم الحضوري، إذ لا يمكن ترجيح أحدهما بشكل مطلق. فلكل نمط ظروفه ومتطلباته ونتائجه. ويبدو أن الحل الأمثل يكمن في التكامل بين الخيارين، بحيث يُستفاد من مرونة التعليم عن بُعد عند الضرورة، مع الحفاظ على جوهر التعليم الحضوري ودوره التربوي في بناء الأجيال وصقل مهاراتهم علميًا وسلوكيًا.




