نظرية البراهيم في كيفية البعث بعد طول اللبث
البعث من أصول الدين والإيمان به من العقائد الغيبية المؤكد عليها في كل الشرائع السماوية والأرضية إلا من شذ وندر لأنها مزروعة في الانسان بالفطرة عبر حب الخلود، والبعث هو المعاد يأتي بمعنى إعادة الإحياء الكامل للإنسان روحا وجسدا بعد الموت يوم القيامة استعدادا للحساب كل بما قدمت يداه من أعمال صالحة او طالحة والقرآن ذكر هذا المفهوم مرارا وتكرارا لأهميته في حياة الفرد الدنيوية والاخروية فقال { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (سورة التغابن: 7).
نطرح هنا السؤال الازلي المتجدد عبر الدهور وهو { وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } (سورة الواقعة 47) وأيضا { وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } (سورة السجدة 10) مازال البشر إلى اليوم منذ تواجدهم على الأرض في تساؤل دائم وبالخصوص من منكري يوم القيامة والمعاد حول عودة حياة الانسان بجسده مرة ثانية في حياة أخرى ليحاسب على أعماله الدنيوية لينتقل بعدها لحياة الخلود إما في النعيم او الجحيم .. فيقولون { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } (سورة المؤمنون 83) ويتساءلون في شك وريب { أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ } (سورة الواقعة 48) فيجيبهم من خلقهم { قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } (سورة الواقعة 49 - 50) ومن زاوية أخرى إجابة اكثر تفصيلا { قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } (سورة الصافات 18 - 26) .
يبقى الانسان حائرا وعاجزا أمام فهم واستيعاب انه كيف بعد أن يتحلل هذا الجسد ويندثر في الأرض ويتحول إلى تراب ويتوزع في الأرجاء ( شبهة الآكل والمأكول الفلسفية ) كيف له أن يرجع مرة أخرى ويحيا بالكامل ويشعر بكل شيء { يقولُون أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً } (سورة النازعات 10 - 11) والجواب مرة اخرى { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } (سورة القيامة 3 - 4) وأيضا { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } (سورة طه 55) بل تحدى الله المكذبين بالبعث فقال حتى لو كانت أجسادكم أقوى من الحجارة والحديد او أي مادة أخرى سيتوصل اليها وعيكم وتفكيركم (صدوركم) وعلومكم من القوة والصلابة { وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا } (سورة الإسراء 49 - 52) فالله قادر أن يعيد اجسادكم الاصلية كما كانت في الدنيا قبل تحللها الى مواد أولية كما لم تكن مخلوقة قبل تواجدكم في الدنيا فخلقت بتمامها.
إذن كيف يعيد الله خلق الإنسان مرة أخرى ويجمع أشلاءه البالية في الأرض بعد تحللها ؟؟
الجواب:
نعتقد ان أسباب وعلل بقاء النفس الواعية (النسخة الاصلية الدائمة للإنسان) بعد الموت وعدم فنائها والاحتفاظ بكامل تفاصيل الحياة الدنيا فيها وما جرى لها وعليها من أحداث هي كالتالي:
أولا:
لكي تكون شاهدة حاضرة على أفعالها بذاتها عند الحساب فهي تحمل كل المعلومات الخاصة بصاحبها وجميع الأعمال التي اكتسبتها.
ثانيا:
من أجل بناء وخلق الجسد المادي مرة أخرى بمقاس النفس (الجسد المثالي) بتفاصيلها الدقيقة ليرجع الجسد كما كان في عالم الدنيا استعدادا لعالم الآخرة الكبرى والحساب كما كان الوعد في الدنيا دون الاعتراض على أي متغيرات جوهرية للنفس والجسد.
وكيف يتم ذلك ؟؟
تكلمنا حول النفس في عالم البرزخ (راجع سلسلة الجاسئ – عنواني في البرزخ) انها تحتفظ بكامل وعيها وتفاصيلها وتتلبس بقالب او بدن مثالي لطيف تكون ملامحه بنفس ملامح الجسد الدنيوي الذي كان يعرف به صاحبه فان المتوفى الحديث عندما تحضره الملائكة الى عالم البرزخ والمثال يتعرف على من سبقوه ممن كان يعرفهم في عالم الدنيا وهم أيضا يتعرفون عليه رغم تغير نوع القالب والجسد البرزخي بخامته النورانية إلا أن ملامح الشخص الشكلية وشخصيته العقلية هي ذاتها كما كانت لم تتغير فقد ورد في الأثر قول الإمام جعفر الصادق (ع) عندما سئل عن أرواح المؤمنين فقال: (في الجنة على صور أبدانهم، لو رأيته لقلت فلان) (تهذيب الاحكام ج1) وكما قال تعالى { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } (سورة يس 26 - 27) إذن الوعي حاضرا والصورة الشخصية حاضرة في جنة البرزخ لم يطرأ عليها شيء سوى تبدل خامة الجسد بعد ان كانت مادة مرئية محسوسة تلبست خامة بدن لطيف مثالي ذو تردد موجي مختلف غير مرئي بالنسبة لعالمنا المادي وخواصه ..
فإذا ما اقتنعنا بهذا الاستدلال على بقاء النفس ووعيها بكامل معلوماتها المخزنة في ذاكرتها وبمشاعرها واحساساتها بعد ترك الجسد إذن لا أهمية قصوى لبقاء البدن الترابي المادي بعد تحلله ففي كثير من الحالات بعد الموت مباشرة تحولت الأجساد الترابية إلى رماد ذُر في الهواء او البحر حسب معتقدات بعض البشر او بعضا منها اصبح أشلاء متفرقة جراء الإصابات بالأسلحة الحديثة والقنابل الفتاكة فما مصيرها ؟ او ما مصير الجثث المتراكمة في المقابر الجماعية او جثث الغرقى في البحار او الفضاء او المصلوبة او التي أكلتها السباع الضارية او الأجساد المحنطة او المجمدة او الأعضاء المتبرع بها لأجساد أخرى؟! { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } (سورة سبأ 7).
نحاول هنا طرح مقاربة او نظرية جديدة من خلال المقدمة السابقة ونستعين بالعلوم المتوفرة في حاضرنا دينيا وعلميا ومنطقيا للربط بينهم وإيجاد علاقة مشتركة وخلاصة فيها ما يشفي غليل فضول البشر المستمر ...
نعلم ان جسد الانسان يحتوي على أجهزة عضوية وانسجة تتكون من حوالي (100 تريليون) من الخلايا المختلفة والمتنوعة والخلايا تتكون من جزيئات والتي بدورها تتكون من ذرات العناصر الكيمائية، نسلط الضوء هنا على الخلية الحية لأنها وحدة البناء الاساسية في جسم الانسان، الخلية لا ترى بالعين المجردة ويمكن مشاهدتها ومكوناتها بالميكروسكوب حيث انها تتكون من الماء والبروتينات والاحماض النووية والاغشية الشحمية والجدارية والسيتوبلازم والميتوكندريا ولكل خلية نظام خاص بها من ناحية الادخال والإخراج والنمو والانقسام حسب شكلها ووظيفتها في العضو المنتمية اليه، ويتراوح حجم الخلايا بين (1-100) ميكرومتر.
من مكونات الخلية الأساسية هي (النواة) وتقع في وسطها وتتكون من الماء والاملاح والانزيمات ومواد عضوية أخرى وكذلك تحتوي على (الكروموسومات او الصبغيات) والتي تتكوّن من الحمض النّووي الرايبوزي منقوص الأكسجين (DNA) ويعتبر المخزن الخاص بالمعلومات والشفرة الوراثيّة للخليّة ومنظم النمو والمسؤول عن تكاثرها وانقساماتها وشكله يشبه السلم الملتوي ويحتوي على أربعة أنواع من القواعد (النوكليوتيدات) وهي:
ويقدر العلماء طوله اذا ما فكك وأفرد إلى ملايين الكيلومترات، استطاعت تقنية الهندسة الوراثية البشرية (تقنية كريسبر) التلاعب بهذه القواعد الجينية وتركيباتها الطبيعية من اجل اكتشاف وظيفة كل جين على حدا والصفة البيولوجية (الجسمانية، الخلقية) التي يحملها وبالتالي يتم التعديل عليها إما بالدمج او التعطيل او الإضافة بهدف القضاء على بعض الامراض الوراثية والمتلازمات او تقوية المناعة او انتاج العلاجات والأنزيمات او للتحكم في الصفات الوراثية كاللون والشكل .. ولا تخلو هذه العمليات من سلبيات وآثار جانبية ربما تقضي على الكائن الحي او تصيبه بطفرات وعاهات مستديمة.
وهناك مكون آخر داخل النواة يعرف بـ (النويّة) يتكون من البروتينات والحمض النووي الرايبوزي (RNA) الذي يتحد مع السيتوبلازم لتصنيع البروتينات في الخلية ويتكون من شريط منفرد، ومؤخرا تم اكتشاف نوع جديد من الحمض النّووي يسمى (i-motif) بنيته تختلف قليلا عن الشكل الحلزوني ذو الشريطين الملتفين حول بعضهما ... وما زال العلم في تقدم مستمر واستكشاف المزيد من هذه الاسرار { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (سورة غافر 64) .
إذن الانسان الحي يرث صفاته الخلقية الجسمانية عبر مورثات (DNA) من خلال عملية التكاثر الجنسي وهذا معروف وجلي لدى البشر على مر الدهور فنرى الأبناء يشابهون والديهم بنسبة كبيرة تتراوح بين مورثات الأم والأب والأجداد كالطول واللون او الشعر ونوعه او شكل الاسنان او حتى الامراض او المشية والهيئة وكذلك الصوت ...
وهناك نوع آخر من الوراثة هي (الوراثة النفسية) فكثيرا ما نجد الأبناء يشبهون والديهم في الصفات الخُلُقية والسِمات النفسية الإيجابية او السلبية بنسب متفاوتة فذاك الابن ورث أباه في الكرم والشجاعة وتلك ورثت من أمها النباهة والذكاء ولين المعشر وذاك ورث من جده البخل والعناد وتلك ورثت من أهلها الغيرة والانانية .. وهكذا تتمازج الخرائط الوراثية الجسدية والنفسية بين البشر بنسب متفاوتة تدخل فيها عوامل مؤثرة كثيرة فلذلك حثت الشرائع السماوية فضلا عن الفطرة البشرية على حسن الاختيار السليم عند التزاوج لتكون النتائج مرضية ولتجنب انتقال السمات والشفرات الوراثية الجسدية او النفسية الغير مرغوب فيها فقد قال رسول الإنسانية النبي محمد (ص):
- (إياكم وخضراء الدمن، قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء) (بحار الأنوار - ج ١٠٠)
- (عليك بذات الدين تربت يداك) (ميزان الحكمة – ج 2)
- (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) (ميزان الحكمة – ج 2)
نشير هنا الى ان علم الخرائط الوراثية توصل إلى معرفة بعض وظائف الجينات البشرية الجسدية وبقي الكثير منها مجهولا او لم يكتشف بعد والأهم من ذلك انه لم يتم التعرف على كيفية انتقال الصفات النفسية بين البشر بالتحديد ! فنقول:
كما أن الأجساد تتوالد بالتزاوج بين جسدين (الأب والأم) كذلك النفوس تتوالد بالتزاوج النفسي بين (الأب والأم) فقال تعالى { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (سورة الروم 20 - 21) وقال { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } (سورة النساء 1) بما ان لكل انسان خريطة جينية جسمانية الصفات يعرف بها ويورث الأبناء والأحفاد بعضا منها فلما لا توجد أيضا (خريطة جينية نفسية) سنطلق عليها مصطلح DNA)النفسي) ان جاز التعبير لكل انسان تحمل صفاته النفسية مثل الذكاء والتواضع والكرم والشجاعة والخوف والانانية والحسد والحب والامومة والذكاء والتوّحد.... الخ
حتى وإن كنا لا نراها لأنها تابعة لشفرة النفس وترددها الغير مرئي (ولا نعتقد بوجود هذه الصفات النفسية بالمكوّن الجسدي المرئي للتحكم بها بيولوجيا) إلا اننا نعتقد انه يمكن التحكم بهذه الصفات من خلال النفس وذلك بتعزيز الصفات الإيجابية وتشجيعها وكذلك يمكن علاج الصفات السلبية منها عن طريق العلاج المعرفي والسلوكي وهذا يرجعنا الى معنى التربية الصالحة التي عرفها الانسان فطريا ودينيا فلو اردنا تغيير مثلا صفة الكذب الموّرث او المكتسب نحتاج الى تشخيص وخطة علاجية معرفية بحسب قوة استفحال هذه الصفة ومدة ممارستها لاستئصالها من الجذور او تقزيمها وإحلال الصفة الإيجابية المعاكسة لها كالصدق قبل ان تترسخ وتكون ضمن الخريطة النفسية التي ربما تصل للجيل القادم من الأبناء دون ذنب لهم سوى انهم قادمون من هذا الاب او تلك الأم او من شيفرة هذه الاسرة .
وكذلك نعتقد ان الجينات الجسمانية المرئية تتلقى أوامرها من الجينات النفسية الغير مرئية وإن بينهما ارتباط وعلاقة ذات تأثير متبادل ومن هنا نفتح الباب امام بحث علمي جديد في كيفية اتصال النفس بالجسد والربط بينهما بعدما عرفنا مسبقا نقطة الالتقاء والتماس الأولى في منطقة الدماغ كوسيط بين النفس والجسد فبالتالي نقرر ان للنفس امتداد وانتشار بكامل الجسد وأعضاءه بل في كل خلية وليست منحصرة فقط في منطقة الرأس ففي علوم ما وراء الطبيعة (الباراسيكولوجي) يقال ان طبقة الجسد النفسي او ما يعرف بالجسم الاثيري او المثالي يبقى متواجدا حتى لو بتر العضو المادي منه والبعض قد شعر بتواجده مدة ثم انحسر وانكفأ للحدود المبتورة لقابليته المرنة المتكيفة مع حدود الجسم البشري وربما يعود ويتمدد مرة أخرى اذا ما ربط عضوا جديدا وتم قبوله .
كثيرا ما يذكر في الثقافة العامة للبشر كلمات تصف اللحظات الأخيرة للمحتضر حيث تبدأ خروج الروح وانسحاب طاقتها من أسفل الرجلين ثم الوسط والسواعد ثم الحلق مع بقاء نشاطها في مركز الرأس قبل الخروج النهائي والله يصف هذا الوضع بقوله { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) } (سورة الواقعة 83 - 96) نستفيد من هذه الآيات ان سحب الروح من جسد المحتضر يتم بشكل تدريجي من الأعضاء السفلية الى ان تصل للحلق في الرقبة ونتساءل هنا لماذا الحلق بالتحديد ؟
الرقبة هي جسر الوصل بين الرأس الذي يحتوي على مركز النفس والتحكم (العقل والذاكرة الكلية) ومركز الروح (طاقة الحياة) مع بقية أعضاء الجسم من أجهزة عصبية حسية وهضمية ودورية وتنفسية وهيكلية وطرفية ... فعندما ينقطع هذا الجسر بأي شكل من الاشكال وينفصل يتحقق موت الإنسان { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ } (سورة القيامة 26) التراقي من الترقوة وهي العظام الملتفة حول الحلق عندما تتحشرج فيها الروح وتتهيأ للخروج النهائي ويمكن ان نربط هذا الوضع فسيولوجياً بقولنا ان قرب الرقبة والحلق من الرأس الذي يحتوي على اهم أنشطة ومقومات الحياة في الانسان مثل الدماغ والذي بدوره ينقسم الى ثلاثة أجزاء : الدماغ الامامي، الدماغ الأوسط، الدماغ الخلفي، وكل له وظائفه ونركز هنا على الدماغ الخلفي الأقرب للرقبة حيث يحتوي على المخيخ ووظيفته تنسيق الحركة وصقل دقتها أما الجسر الذي يحتوي على نوى الأعصاب القحفية وظيفته أنه طريق رئيسي لإدخال المعلومات إلى المخيخ وصدورها منه وأما النخاع المستطيل فيقع في اخفض نقطة من الدماغ الخلفي ليتصل بالنخاع الشوكي المتمدد داخل أجزاء الجسم وتكمن أهميته لاحتوائه على مراكز التحكم الذاتي او اللاإرادي مثل حركة التنفس وسرعة القلب وضغط الدم حيث لا تخضع هذه العمليات لإرادة الانسان في عملها .. ونعتقد هنا ان (الروح) هي من تدير هذه العمليات الهامة اللاإرادية بالتحديد لأن توقفها جميعا تعني حدوث الوفاة ونهاية الحياة الجسدية فلربما يكون موقع مركز طاقة الروح ينطلق من هذه المنطقة من الرأس لقرب المسافة بينها والرقبة حال الوفاة .
هذه استنتاجات ومزاعم من دون دليل تجريبي لإثباتها على رغم خاصية النفس المشفرة التي لا ترى لانتمائها لعالم الغيب الذي يعيش فينا وحوالينا وليس كل ما لا يرى فهو غير موجود فالإنسان يشعر بوجود النفس ما دام يستطيع ان يقول (أنا) سوآء في الدنيا { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } (سورة النازعات 24) او في البرزخ { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ } (سورة يس 26) او في الاخرة { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } (سورة يس 52)..
جسد الانسان بعد الموت وبعد خروج الروح والنفس منه يموت وتتحلل اعضاءه بعد مدة وتتحلل معه جيناته العضوية متبدلة الى تراب ولربما توزعت في مشارق الأرض ومغاربها .. لكن الأهم ما تبقى من هذا الانسان هو نسخة الجسد النفسي الاثيري الغير مرئي الذي مازال يحتفظ بكامل صفاته ووعيه ومشاعره وجيناته النفسية والتي منها يعيد الله خلق جسدا جديدا منسجما مع صفات عالم يوم القيامة وخصائصه الفيزيائية فالله يقول إنه خلق الأجساد من تراب { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ } (سورة الحج 5 - 7) ويوم القيامة يخرج الأجساد مرة أخرى من الأرض اخراجا { وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا } (سورة نوح 17 - 18)
ولكن كيف ؟
هذا السؤال المتأزم بعمر البشرية نفسها بين مصدق ومكذب ومؤمن وملحد قد قاربنا الإجابة عليه عندما قلنا ان الأهم هو نسخة الانسان بالجسد النفسي المثالي التي تعيش في عالم البرزخ (القبر النفسي) حيث لا تفنى او تعدم بعد الموت بل تظل تحتفظ بكل الصفات النفسية والسِمات الجسدية ليبني الله عليها جسدا آخر من تراب وماء مرة أخرى قد يكون خلقا دفعيا أي يخلق الجسد دفعة واحدة وبسرعة { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } (سورة المعارج 43) او يكون جسدا قابل للبناء المرحلي ويمكن استنباط ذلك من خلال الآيات التي وردت في قصة النبي عزير (ع) عندما تسائل في نفسه متعجبا عن كيفية قدرة الله على بعث وإحياء موتى هذه القرية الخاوية المليئة بعظامهم البالية وكيفية رجوعها مرة أخرى كما كانت قبل تغير شكلها وتحللها على الارض؟! { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (سورة البقرة 259) فأماته الله 100 عام ثم أحياه فقال له كم لبثت ... الخ
وبقية القصة واضحة في الآية الكريمة وما يهمنا فيها جزئية (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) أي أحياء متمرحل بنفس الهيئة الجسمانية والصفات النفسية من خلال هيكل النفس الذي لم يتسنى ولم يفنى بالموت بل ظل محتفظا بتفاصيله في برزخه إلى أن أعاده الله ليبني عليه الجسد المادي من جديد .. ليري الله كل انسان جسده كيف يحيى من جديد عند صيحة القيام للحساب يوم القيامة { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } (سورة يس 51 - 53) كما أُخبر الانسان بذلك في الدنيا مما كان يعد غيبا محضا يصعب تصديقه إلا من كان مؤمنا ومصدقا بأخبار السماء والانبياء..
ولو أردنا تقريب النظرية أكثر للفكر وإعطاء مثال مادي توضيحي فنقول:
لو اعتبرنا خريطة البناء التي صممت لإنشاء منزل ما تمثل خريطة النفس في الانسان والبناء الهيكلي فوق المخطط بالحدود المرسومة هو بمثابة بناء العظام وفق هيئة الانسان ثم تأتي مرحلة التلييس والإكساء فهي تمثل مرحلة إكساء العظام باللحم والجلد بالنسبة للإنسان { فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } (سورة المؤمنون 14).
فما دمنا نحتفظ بخريطة بناء المنزل بتفاصيلها الاصلية فإننا نستطيع مستقبلا بناء نفس المنزل والشكل متى شئنا ولو تم هدم البناء مرارا وتحول الى ركاما ولو بعد الف الف سنة وفي أي ارض ومكان ما دامت مكونات البناء متوافرة .. وهكذا جسم الانسان يمكن إعادة بنائه بخامته الاصلية وهي التراب سواء تراب الدنيا او تراب الآخرة فلا فرق فكله من خلق الله ونستطيع تشبيه هذه العملية بالمصطلح الحديث (الهندسة العكسية) والتي من خلالها يتم تفكيك ورسم مخطط وخريطة أي جسم او شكل او دائرة الكترونية وطريقة عملها ثم إعادة التصنيع للجسم مرة أخرى بنفس الشكل والمواصفات واحيانا يتم الإضافة والتطوير عليها .. { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } (سورة يس 78 - 79).
وإذا ما اردنا التبسيط بشكل (كرتوني) في الحقيقة وكأن عملية البعث (إعادة تدوير) كما نراها تتجسد أمام أعيننا حديثا، فمن حبيبات البلاستيك المستخرجة من خامة النفط العضوي في الأصل وفق معادلات كيمائية معينة نستطيع تشكيلها إلى الشكل المراد تصنيعه مثل كأس او كرسي او هيكل عظمي تعليمي وبعد مدة من الزمن تتلف هذه الأشياء او يتم اتلافها لإعادة تدويرها وتخليقها من جديد بواسطة آلة معالجة أوتوماتيكية خاصة بالتشكيل الحراري وذلك بتقطيعها الى حبيبات ثم صهرها ثم تشكيلها حسب المخطط او الشكل المراد تصنيعه من جديد .. وهكذا بعد مدة يمكن إعادة العملية الانتاجية متى شئنا ما دمنا نحتفظ المكونات والتكنلوجيا والامكانيات التصنيعية .. هذا مجرد مثال لتقريب الفكرة والامثال تضرب ولا تقاس.
فإذا كان الانسان يستطيع إحياء الأشياء وتشكيلها وإماتتها وإعادة تصنيعها .. أفلا يستطيع الله الخالق المصور ان يعيد إحياء وتشكيل الانسان وإماتته ثم إعادته وخلقه من جديد متى ما أراد ؟؟ { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } (سورة الأنبياء 104)
ونعطي مثالا تقريبيا آخر نعايشه من حولنا ودليل على قدرة الله بإحياء النبات في الأرض الميتة حيث ان مجرد بذرة بحجم مليمتر واحد عندما تبعث فيها الروح النباتية وتتهيأ لها أسباب الحياة فأنها تنبت وتنقسم خلاياها وتتكاثر وتكبر فيتشكل هيكلها حسب النوع والعناصر الوراثية المستنسخة فيها مسبقا وهكذا تعيد دورة تشكلها بين حين وآخر عند توفر الأسباب كما في دورة البيضة والدجاجة كذلك الانسان تعاد دورة حياته ومماته حسب المخطط المرسوم له من قِبل الله سبحانه وتعالى ..
فقد حاول القرآن الكريم التركيز تكرارا على مسألة المعاد والبعث وربطه بمثال الأرض الميتة والنبات الميت عليها كيف يحييه ليعطينا صورة ذهنية مستقبلية للبعث الإنساني فقال جل وعلا { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } (سورة الروم 19) وأيضا قال { فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (سورة الروم 50)
على كل حال لا ينبغي ان تبقى لدينا شبهات دينية او فلسفية مثل الآكل والمأكول او شبهة كيف يعذب الله جلدا جديدا لم يرتكب أي ذنب او كيف يجمع الله ذرات عظام الانسان التي توزعت في أرجاء المعمورة او ان البعث يتعذر عقلا او يكون روحيا وليس جسديا ؟!
إذن السر ليس في فناء الجسد وإحيائه بل في القدرة الإلهية على حفظ نسخة النفس (داتا النفس) وبقاء تفاصيلها وبصمتها الدقيقة ليبني الله عليها جسدا جديدا يوم الحساب يشعر بكل جوارحه وجوانحه عندما تلج اليه الروح والنفس كما كان في الحياة الدنيا ليشهد على صاحبه بصدق الوعد الإلهي بالبعث والنشر مرة أخرى في الحياة الآخرة فقال الله عز وجل:
- { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } (سورة الذاريات 21)
- { حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (سورة فصلت 20)
- { إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } (سورة الطارق 4 - 9)
- { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) } (سورة يس 82 - 83)
نكتفي بهذا القدر من البحث والشواهد الكلامية والاستنباطات المنطقية من نصوص الآيات القرآنية رجاء العلم والفائدة ولعل الواقع في المستقبل والتقدم في العلوم يثبت هذه النظرية او ينفيها او يعدلها ويطورها أهل الذكر إن شاء الله تعالى ... هذا والله اعلم .
عبدالله حسين البراهيم
شوال – 1442 هـ
-----------------------------------------------------
*لتحميل البحث بواسطة ملف PDF اضغط هنا
روابط ذات صلة:
سلسلة الجاسئ الفكرية [ 1 ] : عنواني في البرزخ
سلسلة الجاسئ الفكريّة [ 2 ] : هل الإنسان كائن أحادي أم ثنائي أم ثلاثي ؟
سلسلة الجاسئ الفكرية [ 8 ] : الفؤاد
سلسلة الجاسئ الفكرية [ 10 ] : كيف يعمل كيان الإنسان ؟
سلسلة الجاسئ الفكرية [ 18 ] : النفس والروح والغيبوبة