هما طريقان إما نور أو ظلام وما يحدد ذلك الاختيار عدة عوامل مجتمعة ومتى ما أخذنا بالأسباب أصبح هذان الطريقان واضحي المعالم ،علما أن معرفة الصواب من عدمه في هذا الجانب لا تأتي من فراغ أو بالتمني فقط، إنما يكون حقيقة عندما نقترب من المسببات الواقعية من خلال البحث التربوي والاطلاع والتزود بالعلم والمعرفة، وبالتالي الوصول لنتائج حتمية لا تقبل أنصاف الحلول للنأي بشبابنا وفتياتنا، والبعد بهم عن كل الطرق المؤدية للأفكار والقناعات المارقة المدمرة لأخلاقهم وصحتهم، وسلامة دينهم ومعتقداتهم وكذلك تجاه أسرهم ومجتمعهم كافة.
لذا وقبل الاسترسال في هذه المقالة التي هي بين أيديكم، لا بد من أن نذكر بعضنا أن صلاح أي مجتمع من المجتمعات لا يتحقق إلا بصلاح مكونيه الأساسيين ،والقصد هنا ذكوره وإناثه فبهما نعتلي ونصل لقمة ما نبتغيه من طموحات لا يدرك معانيها إلا من مالوا لطريق القيم، المتمثلة بعوامل عدة منها: تهذيب النفوس وتلمس كل ما من شأنه الارتقاء بإنسانيتنا نحو مفاخر السلوك الإسلامي المحمود، والخلق الإنساني والبعد عن كل ما يؤدي لمهالك الأمور، وهذان العاملان لا يمكن لنا إلا أن نستشهد بهما من منطلق ما جاء في كتابه الكريم، من خلال أمرين مهمين: وتجسد ذلك في آيات ربانية كثيرة بهذا الخصوص أولهما قوله تعالى :{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
وثانيهما :هي أخلاق محمد صلى الله عليه وآله ورأينا كيف أقسم الله سبحانه وتعالى على أخلاقه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بقوله :{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
ومن هنا يتضح جليا الارتباط الوثيق بين العاملين (أي السلوك والخلق) من خلال التبيان الجلي في الآيتين الكريمتين من البعد ما أمكن عن السلوكيات ذات الطابع العدواني المشين تجاه أنفسنا وذوينا وكل من ارتبط بنا وكذلك البحث عن أخلاقيات تكون محل رضا وإعجاب ممن هم محيطون بنا داخل المنظومة المجتمعية الواحدة.
وإن أريد لنا تصويب حديثنا لما يحويه تحت طياته العنوان أعلاه ،لا بد من استخلاص العبر من واقع ما نعايشه اليوم من متغيرات وكما يبدو للجميع أنها متغيرات أصبحت عند البعض متغيرات حتمية لما يشهده العالم الذي فتح جميع منافذه على مصراعيها، من خلال وسائل مختلفة، وبها استطاع القائمون على تلك الأدوات، ونقصد هنا الإنترنت بجميع فروعه وما جلبه من بث السموم الفكرية بإحداث غزو غير مسبوق إطلاقا من أناس كالبشر، وهم في واقع الأمر ليسوا بشرا لكنهم أشباه البشر، بوسائط تغلغلت بمستوى عال وفائق في خضم بيوتنا، حتى تمكنوا من بسط سيطرتهم بكل إحكام على عقول أبنائنا وتحققت الفجوة بنسبة لايستهان بها.
ولنا من العبر والأحداث من واقعنا ومحيطنا القريب الشي الكثير، بل أصبح من المسلم به أن سلوكيات -ولن نقول الجميع- فالتعميم لا يحبذ بطبيعة الحال فما زال للقيم والخلق الرفيع مكانة ونسأل الله أن يحفظها ويديمها ولكن لا شك أن البعض من شبابنا وخصوصا بغياب الوازع الديني والأخلاقي، وكذلك بعدم تفعيل الرقابة الأسرية كما ينبغي وافتقدنا مع الأسف الشديد جزءا لا بأس به منها، والتي بغيابها يحدث ما لا يحمد عقباه.
فلو أردنا أن نجعل ونتخذ من حياتنا اليومية ومايقع فيها من أحداث تلامس واقعنا الفعلي بشكل يومي وواضح للجميع، سنجد من الشواهد المؤلمة التي يقع فيها أشبالنا ضحايا للكثير من السلوكيات المضطربة والتي يعود أسبابها كما ذكرنا آنفا إلى غياب الرقابة الأسرية، وهذا يؤدي في نهاية الطريق لضعف الوازع الذاتي والأخلاقي والذي بدورة يكون قناعات سالبة تترجم بعدها لسلوك خاطئ تطفوا نتائجه على السطح من خلال الإقدام على تصرفات لا يستوعبها من يحمل بداخله القليل من الضمير الإنساني والبعد الأخلاقي.
ومن شواهدنا على تلك السلوكيات التي نحن بصددها الآن ،الحادثة الشنيعة والتي اقشعرت لها الأبدان وشاع صيتها على مستوى مملكتنا الغالية ،والتي تعتبر حادثة لم يسبق لها مثيل في تاريخ منطقتنا حين جاءنا خبرها من مدينة الحب والسلام هي صفوى الجريحة، حين وقعت تلك الجريمة الشنعاء بعد أن أقدم شاب على إضرام النار داخل منزل أسرته ،وأودت تلك الفعلة النكراء بحياة جميع أفراد الأسرة ممن كانوا داخل المنزل وهم أربعة أفراد وما هي إلا لحظات حتى فارقوا الحياة في مشهد مؤلم لم نألفه ولن يقبله لا خلق ولا دين بل وجميع الأعراف الأخلاقية والإنسانية، حتى بات ذلك الخبر الصادم محط الحديث لجميع القنوات ووكالات الأنباء المحلية والعالمية بين مستنكرين ومذهولين من هول ذلك المصاب الجلل.
ولكن أحبتي يجب أن نقف برهة متمعنين تجاه تلك الفاجعة الدامية التي أبكت الأعين وحزنت لها القلوب للدواعي التي أدت لهذا الحدث العظيم أن يقع، فلا شك ما كان لذلك أن يحدث إلا لأسباب لا يمكن تجاهلها وهي آفة الإدمان على الكثير من الخبائث، التي تمكنت من شريحة من أبنائنا وهذا يتطلب الكثير من الجهد والاجتهاد والاطلاع على الطرق العلمية لمحاربة تلك المدمرات للعقول والصحة والأبدان، وهذا لا يأتي فقط بإلقاء اللوم أو التنظير الأجوف أو نشر المقالات، بل بتوسع مداركنا وتكثيف القراءة وعقد الندوات التوعوية للشباب للوقوف على التشخيص المنطقي للأسباب الحقيقية التي تؤدي لذلك الطريق المظلم المحاط بجميع المهالك بأنواعها.
وقبل الختام للأحبة الأبناء والإخوة والأخوات من أمهات وآباء أقول ناصحا: وبعد أن اطلعت على كتاب قد حصلت عليه مؤخرا من مؤلفه سعادة الأستاذ عبدالله بن محمد غدرا بعنوان ( الخشخاش) وهي مادة أولية لتطوير عدة أنواع من المقيتات كالمخدرات بأنواعها الخبيثة فهذا الكتاب بما يحملة من محتوى إيجابي ننصح باقتنائه وقراءته، فهو في حقيقة الأمر يعتبر وبما جاء في طياته من معلومات في غاية الأهمية والإثراء لكل أولياء الأمور للاكتشاف المبكر ومعرفة سلوك الأبناء إن وقع ذلك -لا سمح الله- وقبل الوقوع في مستنقع ذلك الطريق المحاط بالمهالك لجميع أنواعها -والعياذ بالله- لذا يجب أن تتكاتف وتتضافر جميع المؤسسات التربوية والاجتماعية سواء الأهلية أو الحكومية ولا ننسى أيضا دور الأسرة فهي جزء لا يتجزأ في لعب الدور الأكبر في حماية ووقاية النشء الصاعد والوصل بهم إلى مايجب أن يكون من قيم ومبادئ وخلق رفيع واحترام كل مايرتبط بالنظام الاجتماعي بجميع أبعاده المختلفة لا سيما المتعلق منها بالاطار التربوي والأخلاقي والإنساني؛ لتحقيق نتائج متقدمة تجاه العروج والدفع نحو كبريات القيم الأصيلة والسلوك القائم على الفضائل والواجبات التي جاء بها الشارع المقدس ؛لتكتمل الصورة المراد تأطيرها وما تحويه بداخلها لمجموعة مترابطة ومتلاحمة أوضحها القرآن الكريم بأسلوب بليغ للغاية ملؤه رحمة وشفقة لجميع بني البشر قاطبة في قوله :{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. ( سورة التوبة الآبة 71).
لننعم بعدها بمجتمع راق وواع وصحي ونستطيع من خلاله أن نعول عليه في بناء دولتنا لتكتمل بعدها الصورة لنصل لكل ماينشده مخلصوا هذه البلاد الغالية المباركة حفظ الله مملكتنا ومليكنا وشعبنا من كل زلل ومن كل سوء.