قد يتوهم البعض أن ميدان الخير لا يُدرك إلا عبر الأعمال العظيمة، كإنشاء مسجد شامخ، أو تأسيس صرح خيري ضخم، أو تقديم العطاء في محافل الأضواء.
لكن من يغوص في جوهر الرسالة الإلهية، يدرك أن الخير الحقيقي يكمن أيضًا في التفاصيل الصغيرة، في تلك اللمسات الخفية التي قد لا تراها العيون، لكنها تزن في ميزان الله وزن الجبال.
إن مساعدة محتاجٍ في الخفاء، أو دعم جمعية خيرية متواضعة، أو كفالة يتيم، أو حتى تبرع بسيط لدعم مغتسل الموتى، ودعم النوادي الاجتماعية والثقافية بمختلف تنوع العابها لحفظ أبنائنا من منزلقات الحياة، كلها أعمال عظيمة، تملأ الصحائف نورًا يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.
ومن أجمل الأمثلة الحية على ذلك، *جمعية الفردوس لإكرام الموتى*، هذه الجمعية المباركة التي أخذت على عاتقها رعاية تجهيز الموتى وخدمتهم بما يليق بكرامتهم، دون أن تنتظر جزاءً أو شكرًا.
وكم هو واجب علينا، أفرادًا ومجتمعًا، أن نقف بجانبها، دعمًا ماديًا ومعنويًا، حتى تواصل أداء رسالتها الإنسانية النبيلة، فإكرام الميت صدقة، وخدمة جنائز المؤمنين من أعظم القربات إلى الله تعالى.
لقد ألحّ الإسلام على أن لا يُحتقر شيء من أعمال الخير، مهما صغر.
فها هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ينادينا بقوله:
*(افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئًا، فإن صغيره كبيره وقليله كثيره...)*
وكأنما ينادينا أن نكون صنّاع نور في زوايا الحياة المنسية، نغرس البسمات في وجوه أرهقتها الأيام، ونوقظ الإيمان في قلوب أنهكها الجفاف.
كل عمل خير، مهما بدا صغيرًا، هو بذرة نور تُزرع في صمت، وقد تكون تلك البذرة مفتاحًا لرحمة عظيمة، أو طوق نجاة في يوم الحساب.
فلنكن عابري دروب القلوب، غارسي بذور الأمل، ولنُدرك أن العظمة ليست في كثرة الأضواء، بل في صدق العطاء.
وكل قطرة خير نزرعها، تُثمر لنا يومًا بساتين لا تفنى.