فضل الله العلماء المؤمنين العاملين على غيرهم بدرجات.
ولا أقصد بالعلماء هنا فقط المجتهدين، بل حتى الفضلاء، فهؤلاء متى ما عملوا بما علموا، ودعوا إليه، وجاهدوا في الله، كانوا أفضل من أنبياء بني إسرائيل.
إن الرواية الواردة بهذا المضمون: «علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل»، أعتقد بصحتها وتطبيقها على العلماء العاملين من علماء آل محمد (عليهم السلام).
والمقصود هو العالِم الداعية، الذي يذهب ويسعى لنشر الدين، والفكر الديني، والعقيدة، في المجتمعات العطشى لذلك، والمفتقرة إلى الإرشاد. ولا يُشترط أن يكون مرجعًا أو عالمًا مجتهدًا، فقد يكون فاضلًا مقلِّدًا يأخذ من مرجع ويخرج للتبليغ في الأماكن المحتاجة، ولا يبعد أن يكون بدوره هذا أفضل حتى من مرجع ديني.
أما سبب تفضيلهم على الأنبياء، فجاء لأنهم أساسًا ليسوا مكلّفين من الإله تكليفًا مباشرًا كما هو حال الأنبياء، وأحيانًا يقومون بدور الأنبياء دون أن يُمنحوا الصون والحفظ. ومع ما يتحملونه من مشاق ومتاعب، فإنهم غير مسدَّدين تسديدًا كاملًا كما الأنبياء، فهم بعملهم وإخلاصهم وابتغائهم ما عند الله، لا المال ولا الشهرة، يكونون أفضل من أولئك الأنبياء.
وقد ورد أيضًا: «مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء»، ولكن هذه الرواية ليست على إطلاقها،
فرُبَّ شهيدٍ أفضل من عالم، فإذا كان مداد العلماء في شيء لا ينفع المجتمع كثيرًا، فهو لا يتساوى مع دم شهيد خرج لإظهار كلمة الحق أو محو باطل.
فدم الشهيد حينها أفضل من مداد العلماء.
على أن المراد بالشهيد هنا هو من ينال الشهادة بحد ذاتها، أي شهادة القتال أو الموت في سبيل الله، وهذه أيضًا ليست قاعدة دائمة،
فأحيانًا يخرج العالم بفتوى أو حكم أو كلمة ينتفع بها الناس وهم في أمس الحاجة إليها، فتكون أفضل من شهيد من الشهداء العاديين.
إذن، أخلص من هذا كلّه إلى سلوك واجب الاتباع، وهو احترام وتفضيل العالم الديني العامل الرباني،
فالله قد رفعه وفضّله لتفضّله على المجتمع.
واحترامه واجب، فمتى ما وُجد في المجتمع عالم فاضل يقوم بما أمره الله به من نشر العلم وخدمة المجتمع بإخلاص، لا يبتغي بذلك إلا وجه الله، فعلى أفراد هذا المجتمع احترامه وتقديره وتقديمه.
قال الله تعالى:
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
هذا النص فيه تخصيص، بل تخصيص دقيق، حول كلمة درجات.
فالدرجات هنا لم تُذكر بالمقدار فقط، وإن كان ذلك واردًا، بل النص يشير إلى درجات نوعية.
فالرفع هنا يشمل:
-
التفضيل الاجتماعي والاحترام، وهو واجب ديني كما ذكرت، وهذه أبسط الدرجات.
-
الدرجات الأهم، وهي رفع إمكانية الاقتراب من الله، وإمكانية خدمة المجتمع بصورة أكبر وأفضل، وهذه أهم بكثير بالنسبة لهؤلاء العلماء أو المتميزين في المجتمع.
نسأل الله أن يحفظ علماءنا العاملين بما علموا، من علماء آل محمد (عليهم السلام)، والذين دعوا إليه وجاهدوا في الله،
وأن يحفظ جميع علمائنا ويوفقهم لخدمة الدين وخدمة المجتمع.