بسم الله الرحمن الرحيم*
ما أعظم سعادة الوالدين حين يكون الابن بارًا بهما، مشغول القلب بخدمتهما، مُجتهدًا في أداء حقّهما من الرعاية والإجلال، خصوصًا في مرحلة ضعفهما وتقدّمهما في العمر. ففي تلك المرحلة، تتغير الأدوار، ويصبح الولد اليد التي تسند، والقلب الذي يحتوي، واللسان الذي يواسي، ليكون امتدادًا لحنانهما ووفائهما.
إن برّ الوالدين ليس فقط واجبًا شرعيًا أو خُلقًا اجتماعيًا، بل هو من أعظم القُرُبات إلى الله، وأفضل ما يتقرّب به العبد بعد توحيد ربه. قال تعالى:
*"وَقَضىٰ رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا"*
*{الإسراء: 23}*
وقد قرن الله برّ الوالدين بعبادته، في دلالة على عظيم منزلته، ورفعة مقامه. وفي الحديث الشريف، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: *"يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟" قال: "أمك". قال: "ثم من؟" قال: "أمك". قال: "ثم من؟" قال: "أمك". قال: "ثم من؟" قال: "أبوك".*
برّ الوالدين لا يكون فقط بالمال والكسوة، بل بالرحمة، والرفق، ولين الكلام، وبذل الوقت، والإصغاء لهم، وإدخال السرور إلى قلبيهما. وهو عبادة لا تنتهي، حتى بعد وفاتهما، بالدعاء لهما، والصدقة الجارية عنهما، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما.
في زمنٍ تلهينا فيه المشاغل، وتتراكم المسؤوليات، يبقى برّ الوالدين بوابة رحمة، ومفتاحًا للبركة، وبذرة خير لا تنبت إلا خيرًا. فطوبى لمن وجد أبوَيه أو أحدهما في حياته، فلم يُقصّر، ولم يتأخر، وكان لهما ولدًا بارًا، يدعو لهما في السرّ قبل العلن.
اللهم اجعلنا من البارّين بوالدينا في حياتهم وبعد رحيلهم، ولا تحرمنا رضاهم، فإن رضاهم من رضاك.