القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة و المضي في تنفيذها دون توان تعد علامة بارزة في الشخصية القوية و الحازمة ، و لكن هناك تساؤل مهم يتعلق بمفهوم الحزم و الجدية و علاقته بالجانب الأخلاقي و التعامل مع الآخرين ، إذ يتصوّر البعض بأن الحزم يلازم الشدة و طلب الانضباط في مختلف الجوانب و التعاملات ، و هذا يكشف عن جانب آخر من الشخصية ينبيء عن الشدة و الصرامة و عدم التعامل وفق المشاعر الوجدانية ، فالقرار الحاسم يتطلب في تنفيذه إلى مرجعية العقل الواعي و البصيرة النافذة بعيدا عن تحكّم العواطف ، و هذا ما يوصلنا إلى نتيجة مهمة - كما يتصورون - بأن الشخصية الحازمة لا وجود للتعامل بالطيبة عندهم !!
و لكن الحقيقة أنه لا يوجد تلازم و لا ارتباط بينهما بالضرورة ، إذ أن الشخصية المتزنة تفصل بين الواقع العملي و الوظيفي و بين العواطف المخالفة للصورة الواضحة التي يقدّمها العقل الواعي ، فلو كان صاحب العمل - مثلا - لا يرى أهلية شخص لوظيفة معينة بحسب ما يراه من قدرات و مؤهلات عنده ، فهذا لا يعني بالضرورة أن يتعامل معه بقسوة و يتجاوز كل أطر التعامل بالحسنى معه أو التخاطب معه بقسوة .
طيبة القلب لا تمثّل نقطة ضعف عند الإنسان يعاب عليها و يستنقص من مكانته بسببه ، كيف و الفطرة السليمة و الإنسانية النبيلة تتضمن رقة و رحمة في القلب في التعامل مع الحيوان فضلا عن الإنسان مثله ، كما أن المشاعر السليمة و الإيجابية تنعكس على النفس بشكل رغبة في نيلهم الخير و كراهية وصول السوء إليهم ، و أما الكراهية و الحقد و الحسد فكلها مشاعر ناتجة عن تربية و بيئة غير سليمة و لا تعبر عن حقيقة الإنسان السليم في فطرته و مشاعره و تصوراته ، و العلاقات الاجتماعية تخضع لتلك المعادلة المتوازنة بين الحزم و الطيب في التعامل ، فمعايير اختيار الأصدقاء و وضع الثقة فيهم لابد من مراعاتها دون إهمال ، و إلا فإن الفرد سيضع نفسه موضعا سيئا يعاني فيه و يتحمّل متاعب لا تُطاق مستقبلا ، بل هي عملية وازنة بين العقل الواعي و المشاعر الطيبة في التعامل ، و لذا فإن أصحاب القلوب النقية يميلون إلى إقامة علاقات اجتماعية راسخة و قوية و تجنيبها كل عوامل التوتر و الخلافات ، و أما أصحاب القلوب القاسية و الذين تحجرت و يبست أرضية تعاملهم من الرحمة و الطيب ، فإنهم لا يبالون بإيذاء مشاعر الآخرين و مقابلتهم بتجهم أو لا مبالاة ، و أما لسانهم فيرمي شرر الكلمات الجارحة و المسيئة في عمليات تصفية حسابات تعكس المستوى الأخلاقي الدنيء الذي وصلوا إليه .
العلاقات الاجتماعية المتوازنة بين الحزم و الطيب ( الذكاء العاطفي ) تمنع من تسلل فيروس الانتهازي الذي يستغل طيبة الآخرين ، من أجل الوصول إلى مصالحه الخاصة على المستوى المادي أو الحصول على مكانة معينة ، و لذا فإنه يتعامل بحزم يتخذ معه قرارا بمواجهة النفعيين و الابتعاد عن بيئتهم ، و لكن في المقابل يبسط قلبه و فكره مع من يستحق و يقبل على مبدأ العطاء و بذل الوقت و الجهد له .