بسم الله الرحمن الرحيم
من معالم كمال العدل الإلهي، أن يكون الجزاء موافقًا للعمل، ولكن من رحمة الله تعالى وفضله، أنه لا يكتفي بمجرد العدل، بل يتفضّل على عباده المؤمنين، فيُجازيهم بأحسن مما عملوا. وفي المقابل، فإن الكافرين يُعاقَبون بعدلٍ لا ظلم فيه، وإن كان عذابهم يحمل وصف "الأسوأ".
تأملتُ في آيتين من كتاب الله عزّ وجل، حملتا في طياتهما دقة المعنى وعمق المفهوم:
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (العنكبوت: 7)
وقال تعالى:
﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (فاطر: 36)
الآية الأولى تُظهر الفضل الإلهي بوضوح؛ إذ يُكفِّر الله عن المؤمنين سيئاتهم، ويُجازيهم بأحسن أعمالهم، وليس بمجرد مكافأة عادلة. فلو عملوا خيرًا وسطًا، يُثابون عليه بثوابٍ عظيم، وإن قدّموا إحسانًا، جازاهم الله بأضعافه. وهذا من تمام كرمه ورحمته.
أما الآية الثانية، فقد يُتبادر إلى الذهن من ظاهرها أن الله يُعاقب الكافرين بأشد مما عملوا، فهل في ذلك عدل؟ وهنا ينبغي التوقف والتأمل.
المراد بقوله: "أسوأ الذي كانوا يعملون" ليس أن الله يُعاقب بأكثر مما يستحق العبد، بل إن أثر العقوبة في نفس المجرم يكون بالغًا من السوء بما يعادل أو يفوق الشعور الذي سبّبه هو بظلمه. أي أن السيئة التي ارتكبها، وإن كانت محدودة، إلا أن أثرها في الميزان الإلهي، وفي ذاته بعد الحساب، تنقلب إلى عذابٍ أشد وطأةً وسوءًا عليه.
فكما أن جزاء الإحسان يكون بالأحسن، وهو تفضل، فإن جزاء الإساءة يكون بعدل، لكنه يبلغ في أثره من السوء ما يتوافق مع جرم المذنب. لأن العدل الإلهي لا يُفهم فقط بالكم، بل بالأثر والتناسب، ولهذا يكون الأسوأ هنا ناتجًا عن عمق الجُرم لا مجاوزة في العقوبة.
الخلاصة:
- جزاء المؤمنين مبني على الفضل، فهم يُثابون بأحسن ما عملوا، فوق ما يستحقون.
- جزاء الكافرين مبني على العدل، فيُعذَّبون بما يستحقون، لكن أثر العذاب يكون في نفوسهم أسوأ مما تصوروه أو أذاقوه لغيرهم في الدنيا.
- لا ظلم في حكم الله، بل عدلٌ دقيق، وتقديرٌ محكم، ورحمةٌ واسعة.
﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (فصلت: 46)
والله سبحانه أعلم، وهو أرحم الراحمين.
والله ولي التوفيق: