بسم الله الرحمن الرحيم
الظلم من أبشع الصفات التي قد يتصف بها الإنسان، وهو سبب رئيس في فساد المجتمعات، وتفكك العلاقات، وانطفاء نور القلوب. وحين يظلم الإنسان غيره، فإن أول من يتأذى هو نفسه، لأنه يحمّلها وزرًا ليس لها به حق، ويفسد فطرتها التي جُبلت على العدالة.
ومن صور الظلم الخفية، تحريف الكلام عن مواضعه، وتفسير أقوال الناس بما لم يقصدوه، أو تأويلها على وجه السوء، أو نقلها بطريقة تُشوّه معناها. وهذه ممارسة مؤذية، تهدم الثقة بين الأفراد، وتزرع الكراهية، وتفتح أبواب العداوة. وقد قال تعالى:
"ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً."
إن تحريف كلام الآخرين ليس مجرد سوء فهم، بل قد يتحوّل إلى افتراء وكذب متعمد، خاصة إذا صاحبه قصد الإسقاط أو التشويه. وهنا يكون الظلم مضاعفًا: ظلمٌ للناس، وظلمٌ للنفس، وظلمٌ للحقيقة.
الإنسان الواعي والمتزن لا يتعجّل في تفسير الكلام، ولا يبني مواقفه على الظنون، بل يتحقق ويسأل ويُلتمس العذر. أما من يستسهل التحريف، ويصطاد في الماء العكر، فهو يضع نفسه في موضع الخصومة مع الله، لأن الله لا يحب الظالمين.
في نهاية الأمر، كل كلمة تُحرّف، وكل اتهام يُرمى زورًا، سيُحاسب عليه الإنسان، إما في الدنيا بخسارة احترامه ومكانته، أو في الآخرة حين يقف بين يدي العدل المطلق.
فلنحذر من ظلم القلوب، وظلم الألسن، وظلم الظنون.
ومن أحسن للناس، أحسن لنفسه.
ومن المؤسف أن هذا النوع من الظلم ينتشر أحيانًا تحت غطاء "التحليل" أو "النقد"، بينما هو في جوهره تشويه متعمّد أو تقويل للناس بما لم يقولوا.
ولذلك، فإن حفظ اللسان والتأكد من نقل الكلام بأمانة، هو جزء من الأخلاق الإسلامية التي تحفظ كرامة الفرد والمجتمع.
كما أن التسرّع في الحكم على الآخرين دون تثبّت يُعدّ خيانة للقيم التي دعا إليها الدين والعقل السليم.
علينا أن نُربّي أنفسنا وأبناءنا على ثقافة الإنصاف، والتريث، وحسن الظن، لا على الاصطياد في نوايا الناس وألفاظهم.
فالعدل ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية تبدأ من الكلمة وتنتهي بالسلوك.