هناك معادلة مهمة في منظومة تربية أبنائنا يقوم الآباء و الأمهات بها ، من خلال بذر تلك القيم و العادات و الأفكار التي يستقيها الابن من توجيهات والديه و كذلك الطريقة العملية للتصرفات في وسط بيئته الأسرية ، و من ثَمّ يكون الحصاد المتباين فيما ينتج و يطرح من ثمار تسر النفس و تقر العين أو تسوء الوجه و تخيّب الآمال الموهومة ، فالأمل و التطلّع للوصول إلى ذلك اليوم الذي تكتحل العين فيه بابن بارّ و طيب و خلوق و مجدّ في حياته لا يأتي من فراغ و لا يتكوّن من فقاعات الأماني الكاذبة ، بل هو نتاج عمل مثابر و متابعة مستمرة يبذل فيه الوالدان الجهود و الأوقات لتقويم سلوك و فكر أبنائهم ، فالصلاح و الأخلاق الطيبة و الجدية في الدراسة و العمل و ما يقابلهما من صفات سيئة هي نتيجة محتمة - بشكل كبير - لعامل مهم و هو تربية الآباء السليمة أو الخاطئة ، فالبيئة الأسرية و المدرسية و الاجتماعية تشكّل البنية الأساسية لشخصية الأبناء، و لعل الآباء و الأمهات يقدّمون لأبنائهم الطريق الهدّام عن قصد أو بدونه فينتج عن تصرفاتهم و توجيهاتهم تشوّها أخلاقيا و اجتماعيا عند أبنائهم ، و عماد القيم الفاسدة هي روح الأنانية و التبلّد الوجداني و العطائي تجاه حاجات الآخرين من حوله و كأنهم غير موجودين في قائمة اهتماماته أصلا، كما أن فكرة الحصول على المبتغيات بأي طريقة كانت و لو تمّت بأسلوب الخداع و المراوغة و التلون الاجتماعي ( النفاق ) و الانتهازية و النفعية الضيقة ، و أسلوب العدوانية و التوحّش في التعامل مع الآخرين عند الاختلاف معهم دون اللجوء إلى التسامح و التغافل هو كذلك أسلوب تربوي خاطيء قد يتلقاه الأبناء من أسرهم ، و أسلوب احترام شخصية الآخر في وجوده و أفكاره قيمة تربوية تنميها الأسرة في أفرادها ، و في المقابل قد يتسرّب إلى نفسه الهتك المعنوي لشخصية الآخر بالغيبة و الظنون السيئة لتكون طريقة في التعامل مع الآخرين و تلقي بظلالها على علاقاته المضطربة حينئذ ، فهل يتوقّع بعض الآباء و الأمهات من أبنائهم أن يبروهم و يتعاملوا معهم بالطريقة المُثلى ، و قد تلقّوا منهم التربية الفاسدة و الأخلاق السيئة التي شكّلت شخصياتهم ؟!
تربية الأبناء مهمة تستحق كل الجهد و الوقت المبذول من أجل تحقيقها ، و هي عملية متابعة مستمرة تتضمن ملاحظة أفكار الأبناء و طريقة تفكيرهم في تحقيق طموحاتهم و رغباتهم ، و كذلك سلوكياتهم و طريقة تصرفهم مع الآخرين بما يتضمّن المفردات الأخلاقية بغية الوصول إلى تكامل نفسي و معرفي و اجتماعي يقر العين ، و أما التربية الفاسدة فهي نافذة الأبناء للنظر إلى هذه الحياة في أهدافهم و أفكارهم و علاقاتهم المختزلة للخبث و الجحود و الخداع ، ففي نظر الابن بعد تلقي مثل هذه التربية و التمرّس عليها و التعامل بها تنقلب عنده سلة المفاهيم و القيم ، فيغدو مفهوم الصدق - مثلا - ضعفا في التفكير ( غباء ) لا يمكنه التعامل به في طريقه لتحصيل مصالحه و تثبيت موقعيته الاجتماعية ، كما أن مواساة الآخرين و مد يد العون لهم يراه مضيعة للوقت و الجهد و لا يعود عليه بمنفعة كما يرى .