الأيام لا تختلف في طبيعتها المادية من ناحية شروق الشمس و غروبها ( كعامل زمني ) ، و الفارق بين الأمس و الغد هو إرادتك و نضج عقلك ، فعداد الأيام المادية لا يتغيّر في تفاصيله و مسيره و إنما الفارق بينها يكمن في طريقة تعاملك و مقدار ما حققته من نقاط مكتسبة على المستوى المعرفي و المهاري ، فإذا نظرت يوما إلى نبتة صغيرة لتوها كانت بذرة تحت الأرض - مثلا - فسترى مع مرور الأيام امتداد ساقها و تفرّع أغصانها و تكاثف أوراقها حتى تبدو يوما شجرة كبيرة ، و هذا يدل على أن مسألة الزمن بمعياره المادي ثابت و له معالمه المتشابهة و لكن المتغيّر هو تكامل المراحل و الخطوات بالنسبة للإنسان، و هذا يؤكد على حقيقة مهمة و هي تحمّل المسئولية وفق فهم هذه الحقيقة و هي تحويل عداد الأيام إلى مراحل لتحقيق أهدافك و آمالك دون تأخير أو تسويف، و ليس هناك من ضرر جسيم يلحق بنا كمحاولة التسطيح المعرفي بعامل الزمن و تبلد أحاسيسنا تجاه تقادم الأيام و تقليب أوراق دفتر الأعمار، من خلال فكرة تشابه الأيام فلا ندرك القيمة الفعلية و الثمينة لكل يوم يمر علينا و مقدار ما نستطيع تحصيله من منجزات فيه ، فتقريب الصورة بأن الحياة مجموعة لصور متشابهة و متكررة يصنع الوهم و يبعثر القدرات قبل الأفكار و يفقد الفرد حماسه نحو تحقيق طموحاته،
و الحقيقة أن كل يوم يمثل فرصة متاحة يمكنك اقتناصها و تحويلها إلى جزئية و مفردة من مشروع غاياتك بقدر ما تحمله من همة و اصطبار ، كما أن الصعاب و العقبات و العراقيل تمثل محطة تحديات لإرادتك و قدرتك على تحمل مسئولية المعالجة و البحث عن مسارات و احتمالات و حلول مقترحة تستطيع أن تتجاوز من خلالها تلك المرحلة المضنية ، و هذا ما يصنع مستقبلا جديدا و يفتح بابا أوسع لتحقيق أهدافك ، بعد ما اكتسبته من خبرات و قدرات على معالجة الأخطاء و تعلم الدروس منها ، فكل يوم يعد ورقة من أغصان ذلك اليوم و يحمل معه الدروس و العِبَر التي يمكنك تعلمها و الاستفادة منها ، و ما يصنع الفرق بيننا هي تلك الفروق الفردية و المهارات الخاصة إذا استطعنا توظيفها على أرض الواقع ، و يمكنك قراءة نفسك بسهولة من خلال إعادة تعريف ذلك اليوم المحدّد بتاريخ معين بما صنعته و فهمته و أدركت واقعه من جزئيات متعددة استطعت تحصيلها و اكتسى مخزونك المعرفي و السلوكي بريشها ، فالأيام لا تتكرّر أبدا و إنما الحقيقة أنها تحمل في جعبتها الكثير من الهدايا و الجوائز تستطيع اكتشافها و التعرف و الحصول عليها بعملك المثابر و همتك العالية .
و يا للبؤس عندما نلقي بالمسئولية عن فوات حظوظنا و إخفاقنا و أخطائنا على عاتق الأيام و الزمن التعيس الذي نعايشه أو الظروف غير السانحة لتألقنا و نجاحنا ، هذه الروح السلبية نتاج الفهم الخاطيء لعداد الأيام و الانسحاب عن ميدان العمل و روح المبادرة ، فمن أدرك ذاته و ما تضمّه من قدرات متاحة استطاع حينئذ تفعيلها و توظيفها لتحقيق إنجاز يؤمّله .