ورد عن أمير المؤمنين (ع): الإعجاب يمنع الازدياد ) ( غرر الحكم : الحكمة ٨٩٩ ) .
يحتاج الفرد إلى دراسة معمقة حول ذاته و فهم و إدراك لحركتها النفسية و الوجدانية و الفكرية و مدى قدرتها على السير في طريق التكامل و اكتساب الفضائل و الحفاظ على النزاهة من الرذائل و العيوب ، و هناك اتجاهات و مسارب قد تتجه نحو النفس بسبب عوامل ذاتية تتعلق بلجم العقل الواعي عن حركته و اللهث خلف أهواء النفس الأمارة بالسوء و نزواتها و حركة الغرائز المتفلّتة ، كما أن العامل الخارجي المتمثّل بالمكر الشيطاني و تزيين الآثام عبر نقاط الضعف البشري و التعلّق بالمظاهر المادية و اللهث خلفها ، و مع تعدد عوامل الهدم للبناء القوي للنفس البشرية يكمن العجب و الغرور و تضخم الذات المهلك ، و لا يمكن إدراك المخاطر و الأضرار الناجمة عن هذه الآفة إلا عند إدراك كونها مرض شرس يفتك بالنفس و يرديها إلى السقوط في الهاوية ، و كفى بالإعجاب بالنفس ضررا أنه يستشعر معه الفرد بلوغ القمم العالية في جميع جوانب قدراته و إمكانياته و مهاراته وهما و جريا خلف السراب، و معها يرفض فكرة وجود مستويات و درجات أعلى و أقوى مما هو عليه و يمكنه بالعمل المثابر و الهمة العالية أن يصل إليه ، و هذا ما يقطع عليه طريق و مسير التكامل و الترقي مقتنعا بأنه الأقوى و الأفضل في كل شيء !!
و هذا ما يفتح الباب لبحث الأضرار و الخسائر اللاحقة بالنفس البشرية جراء الإصابة بهذا الداء العضال، للوقوف على الآثار المترتبة على فقدان الاتزان النفسي و الوجداني و البناء العقلي و انهيار منظومة القيم في العلاقات الاجتماعية ، حيث النظرة الدونية ( تقزيم الآخرين و الاستخفاف بقدراتهم ) و التعامل المتعالي و الذي يفقده جسور المحبة و الانسجام ، حيث تطغى عليه حالة الانبهار و الرضا التام عن نفسه مهما صدر منه من كلام أو تصرفات ، إذ لا يمكنه الاعتراف بالخطأ و ارتكاب الزلل مهما كان وضوحه بل يتعلل بالتبريرات الواهمة، كيف و هو يحمل وهم بلوغ الكمال و النجاح في كل ما يصدر منه.
منشأ الاغترار و الإعجاب بالنفس هو شعور نفسي بالتفوق و التميز و الظهور الفريد ، و هذا الشعور يتطوّر و يتدرج نحو السلبية من خلال التعامل المتعالي مع الغير و الإجحاف بملكاتهم و إمكانياتهم.
و الإمام (ع) يركّز في هذه الحكمة على أحد مخاطر الإعجاب بالنفس و توهم الكمال و المتمثل بالقناعة ببلوغ أعلى درجات النجاح و التعلّم و ممارسة المهارات ، و هذا ما يستدعي منه التخلي عن فكرة تطوير و تحسين قدراته و عدم الانخراط في البرامج التعليمية ، فيشكل الاغترار عائقا أمام تفحّص ذاته و إمكانياته للوقوف على أوجه التقصير و الأخطاء و من ثَم محاسبة نفسه ، فيمنعه عن تطوير نفسه في جميع الجوانب المعرفية و الثقافية و الأخلاقية و الاجتماعية و غيرها ، و بلا شك أن أهم مصادر التقدم و النمو في قدرات الإنسان هو النقد الذاتي مما يجعله عامل إسناد و تقدم و ارتقاء، و المعجب بنفسه يفتقد هذا المقوم و المحرك مما يجعله يعيش ظلامية و ضياع و تدهور و خسائر متلاحقة ، فلا هو بالذي يتقبّل فكرة المراجعة الذاتية لتصرفاته فضلا عن القناعة بوجود أخطاء ينبغي العمل على تصحيحها ، كما أنه يرفض رفضا تاما تقبّل النقد و النصيحة من الآخرين.