ورد عن الإمام السجاد (ع) في دعاء التوبة : أللَّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِما عَمِلْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَ ، وَاصْرِفْنِي بِقُدْرَتِكَ إِلَى ما أَحْبَبْتَ )( الصحيفة السجادية ص ١٥٤ ) .
لنتأمل في هذا الأدب المعرفي و الروحي في الخطاب مع الخالق العظيم بعد رحلة مضنية قطع فيها العبد حبل الوصال مع المنعم عز و جل و سار على خُطى الشيطان و أهواء النفس الأمارة بالسوء ، فارتكب من المعاصي ما استجاب فيه لشهواته استجابة عمياء دون أن يدرك حينئذ العواقب المترتبة عليها ، و هاهي نسائم تقريع النفس و تأنيب الضمير تهبّ عليه و تعيد له وعيه بعد أن ضيّعه ، فيتأمل ما وصل إليه من سوء الحال و يطلب النجاة و الخروج من هذا المأزق مستعيدا كرامته و توازنه و فطرته السليمة ، فيهرع إلى محراب الدعاء و المناجاة مبديا افتقاره إلى الرحمة و المغفرة الإلهية و استعادة خط العبودية الحقة و استقامة النفس و نزاهتها .
و هذا ما يؤكد أن الدعاء ليس مجرد ألفاظ يتفوّه بها الداعي دون التآزر و التفاعل مع معانيها و مضامينها ، فهذه الفقرة من الدعاء تختزل أرقى معاني العبودية و الافتقار إلى الله تعالى و تجمع بين الإقرار و الاعتراف و الرجاء و التسليم ، فيبدأ الإمام السجاد (ع) دعاءه بالاعتراف بعلم الله تعالى التام بأعمال الإنسان ، إذ يحمل معنى التوحيد و الإقرار بأن الله سبحانه عليم بكل شيء لا تخفى عليه خافية ، و هذا الإقرار بداية خيط المعارف الحقة و استقرارها في النفس و امتزاجها مع الجانب الوجداني عنده ، مما يولّد حالة من الخشوع و الحياء الإيماني ، و الذي يصنع واقعا جديدا يستقبح معه معصية الخالق و يمنعه من التساهل في ارتكاب المعصية ، و هذا الصدق مع النفس يفتح أبواب التوبة و الرجوع إلى الله تعالى بعد الاعتراف بسوء الحال بسبب ارتكاب الخطايا ، و هذا ما يقطع الطريق على الشيطان الرجيم و الذي يأخذ بيدي العبد بعد ارتكابه الخطايا نحو محاولة تبرير أفعاله السيئة ، مما يصنع واقعا مخادعا يرى فيه العبد نفسه لم تكن بذلك السوء و خصوصا إذا ما رافقه استصغار الذنوب و مداراتها خلف ذاكرته المثقوبة .
و بعد التسليم بعلم الله تعالى على ما ارتكبه من آثام يتجه نحو مرحلة متقدمة طالبا المغفرة و الصفح عنه و فتح صفحة بيضاء قد مُحيت منها سواد خطاياه ، و هذا الاستغفار يحمل قي طياته تغيرا إيجابيا و يقظة تفتح أبواب مستقبل مشرق في العلاقة بالله تعالى و الحذر من فِخَاخ الشيطان الرجيم و يقظة من تسويلات النفس ، فالإنسان لا يستطيع بمفرده أن يهتدي دائما إلى طريق الله تعالى لذا يطلب منه بقدرته أن يصرفه عن الخطأ و يوجّهه نحو الخير .
الإمام السجاد (ع) لم ينظر إلى التوبة كحالة طارئة مرتبطة بارتكاب ذنب كبير بل جعلها منهجا دائما للارتقاء الروحي ، فالإنسان قد يتعرّض للزلل و التوبة هي صمام الأمان الذي يحفظه من القنوط فهو منهج للتطهر من الذنب و الانطلاق نحو الإصلاح الذاتي و العيش في ظل الرضا الإلهي ، و هذا الدعاء يعكس جوهر العلاقة مع الله تعالى و يعيد علاقة الإنسان بإنسانيته و يمنحه فرصة دائمة للعودة و تصحيح مساره تحت حاكمية العقل الواعي و الاستقامة السلوكية .
لأنك مصدرنا الأول .. شاركنا أخبارك موثقة بالصور .. قضية .. مقال .. وذلك بالإرسال على رقم خدمة الواتساب 0594002003
- 2025-10-25 المرور يؤكد ويحذر: الإشارة الصفراء ليست دعوة للانطلاق
- 2025-10-25 سماحة الشيخ يوسف الخضير يؤبّن فقيد الأحساء الشيخ كاظم ياسين الحريب في مسجد الإمام علي بالتويثير
- 2025-10-25 في كلمة مؤثرة بجامع الإمام الجواد.. محمد بن الشيخ الراحل كاظم الحريب: أوصاني والدي بأن أحفظ لأهل المنيزلة قدرهم ومودتهم
- 2025-10-25 برنامج سكني يؤكد: تاريخ إيداع الدعم ثابت
- 2025-10-25 «الأرصاد» عن طقس السبت: أمطار رعدية ورياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق
- 2025-10-24 إعفاء السعوديين من تأشيرة الدخول إلى روسيا مطلع 2026
- 2025-10-24 «الجعفري» وكيل محافظة الأحساء يقدم واجب العزاء في الشيخ كاظم الحريب
- 2025-10-24 السيد مجتبى السلمان في خطبة الجمعة: برحيل الشيخ كاظم الحريب ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء
- 2025-10-24 الشيخ المزراق ناعيًا الفقيد: سماحة الشيخ كاظم الحريب مثال يُحتذى به في الإخلاص والتفاني في العمل الديني والاجتماعي
- 2025-10-24 الشيخ البراهيم من على منبر الجمعة في جامع الإمام الرضا: جمعة حزينة بفقد الشيخ كاظم الحريب
السيد فاضل علوي آل درويش




